عمارة البيت الحرام عبر التاريخ

[ابو ادممشرف عام]

منذ أن رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قواعد هذا البيت العظيم وأفئدةُ الناس تهفو إليهو وتحبه وتحرص على خدمته وصيانته ورعاية حرمته ، وبعد مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم ، وتطهيره لهذا البيت من أدران الشرك ، ورواسب الوثنية منذ تلك الإشراقة المباركة والطلعة الميمونة إلى يومنا هذا ، وخلفاء الإسلام وأمراؤه يُعنون بهذا البيت العظيم أيّما عناية ويرعونه أكمل رعاية ، فجزى الله من خدمه وصانه وعُني به خير الجزاء وأكمل الثواب .

وإليك نبذة مختصرة عن بعض أطوار الإعمار ، والمراحل التي مرت بها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام عمومـًا .

1 - العصر الجاهلي :
وكان ذلك بوجود النبي صلى الله عليه وسلم وقبل مبعثه ، حيث أصاب الكعبة حريق صدّع بنيانها وأوهن حجارتها ، فارتاعت قريش لذلك الأمر واهتموا له ، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على إحداث شيء في البيت إجلالاً له وخوفـًا من نقمةٍ أو قارعة تنزل بهم .
فتجرأ الوليد بن المغيرة على ذلك الأمر ، وتقدّم إلى الكعبة فاقتلع أول حجر منها وهو يقول : اللهم لا تُرعْ لا نريد إلاَّ الخير ، فتبعه الناس بعد ذلك وشاركوا في بنيان الكعبة ، وقد شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في بنائها في ذلك الوقت ، فأتموا بناءها على ارتفاع ثمانية عشر ذراعـًا ووسعوا الحِجْر ورفعوا بابها ليدخلو من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ، وسقفوها وكانت في عهد إبراهيم غير مسقوفة وجعلوا لها ميزابــًا لتصريف الأمطار .

2 - في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ :
دَهَمَ الكعبةَ سيل جارفٌ عُرف بسيل أم نَهْشل ـ وهي امرأةٌ جرفها ذلك السيل ـ واقتلع السيل مقام إبراهيم وجرفه إلى أسفل مكة ، فلما أن وصل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر وهو بالمدينة ، قدِمَ بنفسه ليقف على هذا الحدث ، وكان ذلك عام سبعة عشر للهجرة ، فردّ عمر المقام إلى مكانه ، ثم بدأ له إصلاح المسجد وتوسيعه فاشترى بعض الدور الملاصقة له ثم سوّر المسجد بحائط يبلغ ارتفاعه دون القامة وجعل له أبوابـًا في محاذاة المسارات واتخذ للمسجد مصابيح وجعلها فوق حائطه .

3 - في عهد عثمان :
اشترى دورًا بجوار المسجد ،ثم قام بتوسعته واتخذ له رواقـًا مسقوفـًا وهو أوّل رواقٍ أظل المسلمين .

4 - في عهد ابن الزبير :
في الفتنة التي قامت بين ابن الزبير وبني أمية رُميت الكعبة بالمنجنيق واحترقت وتصدّعت حيطانها ، فأمر ابن الزبير بهدمها ثم بناها على قواعد إبراهيم
فلما ولي الحَجّاج بن يوسف الثقفي مكة من قِبَل عبد الملك بن مروان استأذنه الحجاج في هدمها وإعادتها على ما كانت عليه ففعل .

5 - في عهد عبد الملك بن مروان :
لقيَ البيت من عبد الملك بن مروان عناية طيبة ، فقد اهتم ببنائه وتجديد سقوفه وأضاء ما بين الصفا والمروة ، واتخذ مصباحـًا كبيرًا مقابل الركن الأسود ، واستمرت منه تلك العناية والرعاية والتجديدات ، وفي العهد الأموي بدأت ظاهرة العبيد الذي يُوقفون لخدمة البيت .

6 - في عهد أبي جعفر المنصور :
قام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتوسعة للمسجد من الجهتين الشمالية والغربية ،وأحدث رواقـًا دائريـًا في صحن المسجد ، وبنى على فُوَّهة زمزم شبـَّاكـًا يمنع السقوط فيه ، وفرش الأرض بالرّخام .

7 - في عهد المهدي :
حينما حج المهدي عام ستين ومائة وسّع المسجد من جميع الجهات واتخذ له أروقة جديدة ، واستغرق ذلك أربع سنوات ، وكانت توسعة كبيرة ، وبها أصبح المسجد متصلاً بالمسعى ، لا يفصل بينهما بيوت ، وبلغت مساحة المسجد في عهد المهدي مائة وعشرين ألف ذاع ، أي حوالي ثمانية وعشرين ألف متر مربع ، وبلغت الأبواب ثلاثة وعشرين بابـًا ، والبناء القديم الموجود حاليـًا هو من عهد المهدي من حيث المساحة سوى زيادتين يسيرتين، وهي إلحاق دار الندوة في عهد المعتضد ، وزيادة مما يلي باب إبراهيم بأمر الخليفة المقتدر سنة 306هـ .

8 - في عهد الرشيد :
كان الخليفة هارون الرشيد رحمه الله ممن أوْلى البيت الحرام عناية واهتمامـًا ، وقد أنشأ مظلة للمبلِّغين فوق سطح المسجد .

9 - في عهد الواثق :
في عهد الواثق اتخذت للمسجد الحرام أعمدة من نحاس ، وجعل على كل عمود ثُرَيَّتَيْنِ لإضاءة المطاف .
وهكذا استمر الخلفاء والولاء يعنون بالمسجد الحرام والكعبة المشرفة وبئر زمزم .

10 - في عهد السلطان سليم :
في عهد السلطان سليم العثماني تمَّ تجديد بناء المسجد الحرام على مساحة المهدي ، وكان ذلك في عام 979هـ ، وتمّ الفراغ من تجديده عام 989هـ في عهد السلطان مراد خان .
وهكذا حدثت بعض التجديدات والإصلاحات في العهد العثماني وبعده :
* ففي عام 1019هـ تشققَّ الجدار الشمالي للكعبة بسبب الأمطار الغريزة ، فاقترحوا شدّها بحزام من نحاس ففعلوا ذلك وغُلِّف الحزام بالذهب .
* وفي عام1039هـ جاء مطرٌ عظيم انهار به جدار الكعبة الشمالي والشرقي وثلث الغربي ، فشرعوا في بنائها من حجارة في جبل الشبيكة سُمِّي فيما بعد جبل الكعبة ،واستمر البناء إلى عام 1040هـ .

11- في العهد السعودي :
ثم جاءت الدولة السعودية فأولت المسجد الحرام والمسجد النبوي عناية فائقة ، ففي عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أعلن رغبته في توسعة الحرمين الشريفين عام 1368هـ .
وتمت التوسعة الأولى التي رعاها هو وأبناءه سعود وفيصل ـ رحمهما الله ـ وكانت توسعةً كبيرةٌ مباركة .
ثم جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ وفقه الله ـ فأولى المسجد الحرام والمسجد النبوي عناية فائقة لم يسبق لها نظير ، وقد قام بتوسعة إضافية كبيرة للمسجد الحرام .
لقد كانت مساحة المسجد الحرام قبل التوسعة السعودية الأولى 000 , 28 ـ ثمانية وعشرين ألف متر ـ وبلغت بعد التوسعة السعودية الاولى 000 , 151 ـ مائة وواحدًا وخمسين ألف متر مربع ـ وتبلغ في توسعة خادم الحرمين الشريفين 000 , 208 ـ مائتي ألف وثمانية آلف متر مربع ـ وبإضافة مساحة السطح المستخدم للصلاة والبالغة 000 ,61 ـ واحد وستون ألف متر مربع ـ ومساحة الساحة المحيطة بالمسجد والتي تبلغ 000 ,88 ـ ثمانية وثمانون ألف متر مربع ـ يصبح مجموع المساحات الإجمالية للحرم المكي بعد التوسعة الثالثة 000 ,357 ـ ثلاثمائة وسبعة وخمسون ألف متر مربع ـ ، وبذلك يصبح المسجد الحرام يتسع لأكثر من مليون مصلي في آنٍ واحد .
وبلغ عدد المآذن تسع مآذن بارتفاع تسعة وثمانين مترًا .
هذا بالإضافة إلى ما تراه الأعين مما لا يخفى على أحد من نظافة وعناية وإضاءة وصوتيات وتكييف وخدمات ومرافق على أحدث نظام وأبدع نَسَقْ .