- باربيمراقب عام
- عدد المساهمات : 11902
نقاط : 28065
التقيم : 14
تاريخ التسجيل : 30/10/2011
المزاج : رائق
الفايز : تجاوزات وقعت في ملف سحب الأرقام الوطنية ولا أوافق على سحب صلاحيات الملك
الإثنين أبريل 09, 2012 10:51 am
[b]يرى رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز أن الأردن بدأ الإصلاح مبكرا، وقبل ما بات يسمى بربيع الثورات العربية، وما أحدثه من تغيير على مستوى أنظمة في المنطقة.
الفايز، الذي ترأس مجلس النواب السادس عشر في دورته الأولى من العام الماضي يجد في التعديلات الدستورية الأخيرة؛ ما هو أبعد من مطالب الحراك الشعبي في العودة إلى دستور العام 1952، فالتعديلات الدستورية "تضمنت مبادئ إصلاحية أكثر بكثير مما جاء به دستور 52".
وبين الفايز أن الدستور كرس مبدأ الفصل بين السلطات على أسس حداثية، فيما أبقى صلاحيات جلالة الملك؛ لحاجة ماسة وضرورية، وهي الفصل في تنازع السلطات، عند الاستعصاء السياسي، وتشنج المواقف بين السلطات.
ويشرح الفايز فكرته، بالتساؤل: "ماذا لو استعصى الاتفاق بين الحكومة النيابية، صاحبة الولاية، وما تبقى من أعضاء مجلس النواب كسلطة رقابية"؟ في هذه الحالة أليس الملك وصلاحياته ضمانة لنا جميعا بالفصل بينهم بتكليف حكومة جديدة"؟
من وجهة نظر الفايز، فإن التعديلات الدستورية أحدثت نقلة نوعية بمفردة الدستور الأردني، لصالح تمكينه من مستويات إصلاحية متطورة، تلبي حاجة الأردن الراهنة من الإصلاح الدستوري، كما تراعي التعديلات الخصوصية السياسية للبلاد.
واوضح الفايز، في حوار مع أسرة الزميلة "الغد"، أن جلالة الملك أعلن، وأمام الجميع، أن باب تعديل الدستور "سيظل مفتوحا على التطوير المستمر، وبشكل يلبي متطلبات التطور السياسي والتشريعي في البلاد".
وهو ما يقدم ضمانة لمطالبات الشارع بأن التعديل على الدستور هو شكل من أشكال تنظيم علاقة الدولة ومؤسساتها بمكوناتها.
ويرى الفايز أن مفتاح حل أزمة الاستعصاء السياسي في البلاد، "مرهون بإجراء انتخابات حرة ونزيهة"، وعلى هدي قانون انتخاب، يضمن أسسا واضحة من العدالة في التمثيل، في حين أن نزاهة الانتخاب هي أمر "محسوم لا رجعة عنه"، خصوصا في ظل حالة انعدام الثقة بين الشارع والمؤسسات الرئيسة في البلاد.
الفايز يؤكد جدية الدولة، هذه المرة، في إجراء انتخابات نزيهة، ويجد أن هذا هو مفتاح تنظيم حالة المعارضة، فالمجلس الممثل لمكونات الشعب القادم عبر قانون انتخاب يضمن الحد الأدنى من التوافقات بين التيارات السياسية والاجتماعية، وهو حاجة أساسية لضمان عبور المملكة لمرحلة التحول الديمقراطي الأهم في تاريخ البلاد.
في الأثناء، يتمنى الفايز على القوى الشبابية والشعبية، وحتى السياسية، المشاركة الحقيقية في أي عملية سياسية، يتمخض عنها انتخاب ممثلين مختارين عنهم، عندها سيؤدي مجلس النواب وظيفته الديمقراطية الحقيقية وهي "تمثيل الشعب".
ولا يقلل الفايز من أهمية مجلس النواب السادس عشر (الحالي)، لكنه ينتقد، بشكل غير مباشر، الأسس التي مهدت لولادة المجلس الأخير، فقانون الدوائر الوهمية، برأي الفايز، أحدث تفسخا آخر في النسيج الاجتماعي، في حين أنه لم يرض التيارات والأحزاب السياسية.
ويستعرض الفايز إنجازات مجلس النواب الحالي، لكنه ينتقد أيضا تراكم الأخطاء في المجلس، كما يشير إلى أن "ألغاما" وضعت في قلب المجلس، والتي "كانت نتيجة التخريب المنهجي، الذي قصد منه تشويه مؤسسات الدولة".
الفايز يجد أن إعادة إنتاج النخبة أمر بات "ضروريا أمام حالة الضعف العام لمؤسسات الدولة"، فالمسؤول المرعوب "بات خطرا على قرارات الدولة وبوصلتها".
وفيما يلي نص الحوار:
* بداية، أين تتجه البوصلة المحلية اليوم، هل ترى ان مسيرة الإصلاح ماضية في استكمال محطاتها؟
- أحاول أن أنظر إلى الأمور بعين المتفائل، وبغير ذلك، أعتقد أننا سنكون سلبيين. مسيرة الإصلاحات الشاملة في البلاد لم تنقطع منذ تولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، لكنها تعثرت بحكم أكثر من ظرف، ونتيجة تدخلات أكثر من طرف وقوى شد عكسي.
إلا أن الأمر المحسوم لدى جلالة الملك ومنذ بدايات عهده، هو الإصلاح الشامل وفق مبدأ تلازم المسارات.
واسمحوا لي أن أنقل شيئا مما سمعته من الملك في هذا السياق، فجلالته اعتبر ان ربيع الإصلاح العربي، فرصة التقطها جلالة الملك لتنفيذ برنامجه الإصلاحي الطموح.
لا شك أن محطات كثيرة أدت إلى تأجيل وتعديل نهج الإصلاحات، التي أرادها جلالة الملك، فكل الأحداث في بداية عهده كانت صادمة ومؤثرة، فمن الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتداعياتها، إلى احتلال العراق وما نتج عنه من أضرار على الأردن، إلى أحداث 11 سبتمبر، وما انتجته من هواجس أمنية تقدمت على مبادئ الإصلاحات السياسية، وصولا إلى أزمة العبث بمؤسسات الدولة، عبر مناكفات نافذين ومؤثرين بالقرار السياسي والأمني، كل هذا أدى إلى تعثر جهود الإصلاح التي يقودها جلالة الملك.
واتذكر جيدا أن جلالة الملك عندما كلفني بتشكيل الحكومة كانت توجيهات جلالته واضحة بأن الإصلاحات الشاملة مبدأ لا رجعة عنه، وقد قمنا بالرد على التكليف السامي بشكل برامجي، يؤدي بالنتيجة إلى تنفيذ رؤى جلالة الملك الإصلاحية، لكن قوى الشد العكسي عملت على تقويض كل ما بنيناه في تلك المرحلة، إضافة إلى تداعيات الأحداث التي ذكرتها سابقا.
المهم اليوم، وبالتحديد منذ سنة وأربعة شهور، فإن الحراك الشعبي والشبابي قدم الفرصة لجلالة الملك ليتقدم ببرنامجه الإصلاحي، والذي فيه مصلحة النظام نفسه، وتحييد لكافة قوى الشد العكسي.
وبالمناسبة، سمعت من الملك عن نيته بتعديل الدستور قبل أن يطالب الحراك الشعبي بذلك، لكنه كان يؤجل الأمر، حتى تنضج الفكرة لحجم التعديلات الدستورية المطلوبة، حتى تزامن تشكيل اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور مع ضغط الشارع، وباعتقادي الجازم، فإنه لا يضير جلالته أن تتقاطع رؤيته مع مطالب الشارع، بل على العكس، أكرر أن الملك انتهز فرصة ضغط الشارع لإنفاذ مشروعه الإصلاحي الاستراتيجي.
* بالنسبة للتعامل مع حالة الاستعصاء السياسي، الذي تعيشه البلاد، مد وجزر في المواقف بين الحكومات والقوى السياسية ما يحول دون تبلور حالة من الاسترخاء، برأيك، ما السبيل للتعامل مع الأزمة؟
- برأيي المتواضع، فإن المشكلة لدينا سهلة، والحلول لا تحتاج إلى معجزة. كل المطلوب الآن أن نقترب جميعا من قراءة مصلحة الوطن ومتطلباتها، وعلينا جميعا أن ننظر إلى الإقليم من حولنا وحالة الفوضى العامة. الاستقرار والأمن والأمان، هي ما تميز بيئتنا الأردنية، ومظلة النظام هي التي توفر هذه المزايا.
الولاء للنظام والتمسك به؛ ليس مشاعر فقط، بل مصلحة، لأننا نعرف جيدا خصوصيتنا في الأردن ومعنى ومتطلبات استقرار الحكم، لذلك فالإجماع متحقق في الشارع.
ثمة حالة إيجابية في الحراك الشعبي، فهو يطالب بإصلاحات شاملة وليس تغيير النظام، لذلك يجب أن ننظر إلى الإيجابيات التي حققها الحراك، في وقت يجب أن نسجل لجلالة الملك عبدالله الثاني استجابته لهذه المطالبات، بصدر واسع وتصرف حكيم.
لننظر إلى الدول، التي اندلعت فيها الثورات، ولنمعن النظر جيدا في سلوك الأنظمة فيها، ألا يسجل لنظامنا حمايته وحراسته للحراك الشعبي؟! في حين أن دولا من حولنا سجلت فيها أعداد من الضحايا بمستويات غير مقبولة.
نمتلك حالة إيجابية يجب أن نتمسك بها، فالحراك الأردني حضاري وسلمي، وتعامل النظام معه كان حضاريا وإيجابيا.
هنا أود أن أشير إلى حجم وعي وثقافة الشارع الأردني. الثورات العربية لم تأت كلها بالربيع، فقد جاء معها في بعض الدول خريف، أوراقه صفراء، وجاءت معها فوضى وتخريب، وانقلاب تام على نهج الدول المستقرة، لذلك أجد أن الحراك الأردني التقط إشارات العبث بالثورات العربية، والتزم بنهج سلمي حضاري، وبسقف مطالب معقول، ينسجم مع الحالة الإصلاحية التي نصبو لها جميعا، ولذلك لم تسجل اختراقات خطيرة، في تعبير الناس عنمطالبها بالاعتصامات أو المسيرات.
* لكن بعض الحراكات والقوى السياسية تطالب بتعديلات دستورية، تطال صلاحيات الملك؟
- صلاحيات الملك يجب أن تناقش من زاوية واضحة، فلا يجوز أن نطالب بتقليص صلاحيات الملك، ونحن لا نعرف الفلسفة من وجودها.
المواد الدستورية 34 و35 و36 تتعلق بصلاحيات الملك، واعتبرها هامة وضرورية، لتشكل حالة فاصلة عند التأزيم السياسي الذي قد تشهده البلاد نتيجة تشدد الحكومة أو النواب في مواقفهم إزاء قضية ما.
فحل "النواب"، أو إقالة الحكومة وتكليف أخرى، ليست صلاحيات تعسفية بحق السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل نحتاجها للفصل في أية حالة استعصاء سياسي بين السلطتين.
في حالة تغول طرف على الآخر، أو استقواء النواب على الحكومة، أو العكس، فما السبيل للخروج من هذه الحالة، أليست الحكمة تقتضي أن يدخل طرف محايد للتدخل؟ الملك هو الذي يفصل هنا، وهذه الفلسفة من صلاحيات الملك الدستورية.
لو كانت البنى الحزبية السياسية متينة وراسخة، وهناك تراكم بالخبرة السياسية، ولو تكرست تقاليد سياسية على مدى السنوات الماضية، لكانت هذه المطالب معقولة، أما في واقعنا الأردني، وتعرض العملية الديمقراطية للتعطل سنوات طويلة، جراء عدم الاستقرار بالمنطقة، تصبح هذه المطالب غير منطقية. نحتاج لفترة من تراكم الخبرة في العمل السياسي، وتكريس للمشاركة الحزبية الفاعلة بالبرلمان والحياة العامة، عندها قد تكون هذه المطالب فيها وجهة نظر.
وما تزال النكهة الحزبية غائبة عن حياتنا النيابية، وما تزال العشائر هي الأقوى حضورا، والتي تتشكل منها غالبية المجلس، فعلى أي أساس حزبي سيختار الملك رئيس الحكومة، إذا ما وجدنا أن 80 % من النواب قادمون من منطلق عشائري؟!
اعتقد أن الأمر يجب أن يناقش على نطاق واسع من التفهم والوعي بحساسية التعامل مع السلطات، وهذه الحقوق الدستورية لم نبتكرها نحن، فكثير من الدول المتقدمة، وعلى رأسها المملكة المتحدة، تعطي حق حل النواب وإقالة الحكومة للملك.
توجيهات الملك المتكررة بضرورة تحقيق الإصلاحات التي تطالب بها الحراكات سمعتها من جلالته منذ زمن طويل سبق ربيع الثورات العربية بسنوات، لكن الظروف القاهرة حالت دون تنفيذها، إلى جانب أن عددا من المسؤولين الذين تبوأوا السلطة خذلوا جلالته.
علينا، أولا وقبل العبث بصلاحيات الملك، أن نرسخ حياة سياسية واعدة عبر الأحزاب الناشطة والفاعلة والمؤثرة بالرأي العام، لأن أحزابنا اليوم ما تزال في طور النمو، دعوها تأخذ فرصة في التطور ثم نأتي لنناقش صلاحيات الملك.
وبالمناسبة هناك العديد من الدول المتقدمة تعطي الحق والصلاحيات في حل الحكومة ومجلس النواب لرأس الدولة وبتنسيب من الحكومة.
والملك اكد أن باب تعديل الدستور سيظل مفتوحا، كلما استدعت الحاجة، وعندما تقوى أحزابنا، ويصبح المواطن مقتنعا بها، ويبادر لانتخابها، وتنشأ الأغلبيات البرلمانية على أسس حزبية وبرامجية، عندها لكل حادث حديث.
* إذاً، البداية يجب أن تكون من قانون الانتخاب، فأي قانون نحتاج في هذه المرحلة؟
- لا يوجد قانون يحظى بموافقة الجميع، لأن لكل طرف مصالح بالقانون الذي يروج له ليأتي به للبرلمان، مناطق ومستقلين والإخوان المسلمين وكذلك الأحزاب اليسارية والقومية، وغيرها.
التدرج في قانون الانتخاب هو الطريقة المثلى للوصول للإصلاح، لأن البيئة الحزبية ما تزال قاصرة عن التأثير بالرأي العام.
صحيح أن هناك أحزابا واعدة، لكن ما تزال في أول الطريق، ونحتاج لفترة حتى تتغير ذهنياتنا عن العمل السياسي، فما يزال الولاء، بعد الدولة، للعشيرة وليس للحزب.
وباستثناء الإخوان المسلمين، التي تأسست منذ العام 1946 لا يوجد تنظيمات منظمة، او تعمل على أسس وبرامج واضحة.
وقوة الجماعة، وذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي معروفة الأسباب، فكل من يعارض له حصة في الشارع كما أن الخطاب الديني مؤثر عاطفيا ويلقى تجاوبا من فئة كبيرة في مجتمعنا.
اختلف مع كثيرين يعتقدون بأن الحركة الإسلامية ستكتسح الانتخابات المقبلة ولعدة أسباب موضوعية، أولها أنهم خاضوا الانتخابات منذ العام 1989 مع مقاطعتهم لانتخابات 1997 والأخيرة، وكانت نسب فوزهم تقريبا متساوية، باستثناء انتخابات 2007، التي جرى تلاعب واضح فيها، نال من حصتهم الحقيقية. وبالمناسبة، لو لم يتم التلاعب بانتخابات 2007 لنال الإسلاميون حصة مقاعد أقل مما حصلوا عليه عام 2003، فالظرف السياسي داخل الحركة وقتها كان مشحونا بالخلافات، ما كان سيؤثر على نتائجها دون تزوير.
لا اميل للتخويف من الإخوان أو اعتبارهم فزاعة تخيف النظام أو الحكومات، فالاسلاميون، ورغم انهم كانوا دائما معارضة سياسية، لم يقفوا ضد النظام على مدى مسيرتهم، وهم قوة وطنية لها حضورها واحترامها. أما عن تنظيمهم في الانتخابات فهذا أمر مرده التزام ناخبيهم بالتصويت، بخلاف باقي الناس والقوى السياسية ممن يتهربون من المشاركة الفاعلة بالانتخابات.
لذلك، يجب على الجميع المشاركة في الانتخابات، لأن المشاركة الشعبية بالقرار السياسي مهم، وهذا لن ينتظم إلا عبر انتخاب المواطنين ممثلين حقيقيين عنهم.
المرحلة القادمة مهمة في تاريخ الأردن السياسي؛ ولذلك يجب أن نكون سباقين ومؤثرين في أي عملية سياسية.
ويجب أن ننتخب على أساس الأفضل، حتى يفرز البرلمان المقبل نخبا سياسية جيدة، يكون قلبها على الوطن ومصلحته.
يجب أن يكون للمواطن دور في الإصلاح، وأن لا تقتصر المشاركة على النخب، التي يقتصر عليها الحديث في الإصلاح حاليا، فيما يحصر المواطن نفسه بالهموم ويبتعد عن السياسة، فهو ينشغل في تحسين وضعه المعيشي والوظيفة وليس قانون الانتخاب. اتمنى أن تكون بداياتنا في الإصلاحات شاملة، تنعكس على الاستقرار الاقتصادي والمعيشي للمواطن، وهو ما يحقق رضا المواطن عن دولته. لا بد من تلازم مسارات الإصلاح، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاعلامي، وليس التركيز فقط على الإصلاح السياسي، رغم أنه أولوية.
* لكن ما هو القانون الأنسب للانتخاب لحالتنا السياسية برأيكم؟
- القانون مؤشر مهم لمدى جدية وصدقية الإصلاح، لكن الأهم من القانون والنظام الانتخابي، هو ضمان إجراء الانتخابات على أسس واضحة من النزاهة والشفافية.
نزاهة الانتخابات أهم السمات، التي يجب توفرها في العملية الانتخابية برمتها. انا مهتم أكثر بالهيئة العليا المستقلة للإشراف على الانتخابات، ونحتاج أن نرى منها عملا حرفيا، يعيد لنا السمعة الطيبة، في الانتخابات.
المشكلة التي وقعت في الانتخابات، هي بجانب منها تتعلق بالقانون، ولكن في جوانب كثيرة، تتعلق بإجرائها والتلاعب والتجاوز بنتائجها، وهنا أقصد التجاوز الفردي من قبل المرشحين وقواعدهم الانتخابية، أو التجاوز المنهجي، والمقصود صدوره من قبل بعض مراكز النفوذ.
وقانون الصوت الواحد ليس سيئا بالمطلق، وأذكر أن واحدا من استطلاعات الرأي لمركز الدراسات الاستراتيجية أظهر أن 73 % من المستطلعة آراؤهم يؤيدون الصوت الواحد، وهذا ليس غريبا، فهناك أسباب كثيرة لتأييده، فالبعض لم يتعامل مع قانون آخر، كما ان القانون ليس سيئا بمجمله، والبدائل عنه لكثيرين غير واضحة، فيما اللغط الدارج على القوانين الأخرى والجهل بها سيدفع بالكثيرين للدفاع عن قانون مارسوا الانتخاب بموجبه.
ليس مهما القانون برأيي، المهم وبشكل قطعي هو أن نحسم ونعد جيدا لمبادئ نزاهة الانتخابات، لأن أي تزوير قادم ستكون عواقبه وخيمة.
ولن يكون هناك إجماع على أي قانون للانتخاب، لكن، بالتدرج يمكن أن يصبح لدينا وعي بالقانون الذي يخدم مصالح جميع الفئات.
فمثلا القائمة النسبية، لو خصص لها ما بين 15-20 %، فلن يكون هناك تغيير على التركيبة الحالية لمجلس النواب، لأن المجلس القادم سينتخب منه 80-85 % على أسس عشائرية، وما تبقى، بما نسبته 15 %، لصالح الأحزاب في القائمة النسبية، أما الحديث عما نسبته 50 % للقائمة، فأعتقد أن هذا الطرح فيه احتكار سياسي لصالح الأكثر تنظيما بالشارع.
لمن ستذهب الخمسون بالمائة؟! إذا لم يكن لدينا تجربة حزبية ناجحة فستذهب هذه النسبة لمصلحة طرف واحد، دعونا نتفق أننا بحاجة إلى التدرج، وأن يخصص 15 % للقائمة، وإن نضجت التجربة الحزبية، ترتفع النسبة الى 30 % إلى حين الوصول لتمثيل نسبي مائة بالمائة.
* كيف يمكن معالجة ارتفاع سقف الشعارات في الشارع، وما رأيك في التعامل مع أصحابها، خاصة في ظل تنازع رأيين رسميين تجاه ذلك، يقول الأول بضرورة تمرير المرحلة، باعتبار ان الشعارات لا تشكل إجماعا او غالبية في الشارع، والآخر يرى ضرورة استخدام الأمن الخشن مع تلك الشعارات؟
- جلالة الملك قالها، وبكل صراحة ووضوح، "إننا نريد ان نتحمل الإساءات، حتى نتمكن من إنجاز مسيرة الإصلاحات، التي قطعنا شوطا مهما فيها، وبدون خسائر".
وهذا ليس غريبا، فالحكم الهاشمي قام على مبدأين: العدالة والتسامح، وهذا ما يفعله جلالة الملك الآن، استيعاب المعارضة، ولا وجود لمعارض سياسي قتل في هذا الوطن او أعدم، وهذه سياسة الهاشميين. ومع ذلك أنا شخصيا ضد الإساءة، خصوصا لرمز الوطن، وهو صمام أمان والرمز الوطني الأسمى.
مشكلة ارتفاع سقف الشعارات ليست مقلقة، وذلك لأنها لا تمثل غالبية الأردنيين، كما أن الحراكات، التي ترفع مثل هذه الشعارات، هي حراكات قليلة العدد والتأثير، والأهم هنا، هو طريقة التعامل معها، فالذي سيفند شعارات هذه الفئات هو مضي مسيرة الإصلاحات التي يقودها جلالة الملك، وهي في الأخير، التي ستنجي النظام والبلاد من أية حالة فوضى يراد لنا أن ندخل فيها.
وإن سألتني عن جلالة الملك وسعة صدره، فسأقول هنا: إن جلالته تحمل من قسوة الاتهامات ما لم يتحمله أحد، ولك أن تتخيل، ماذا سيكون موقف اي شخصية سياسية لو تم التهجم على شخصها، لكن جلالة الملك استوعب، وما يزال يستوعب، كل هذه الاتهامات الباطلة، فأنا شاهد على العصر، وأعرف مدى طهر ونقاء جلالته.
الملك بطبعه متسامح، وهو الذي كان يدعونا دوما لاستيعاب مطالب المواطنين وحسن التعامل معها، وهو الذي وجهني في الديوان الملكي (عندما تسلمته) للاتصال بكل من يتصل بمقسم الديوان الملكي العامر، والنظر بحاجة كل مواطن، من تعليم وصحة ومساعدات نقدية ومظلمات متنوعة، وهنا لا بد أن اتوقف عند خصوصيتنا الأردنية، فالأردنيون لا يطلبون من جلالة الملك صدقة، كما أنه لا يتعامل مع المواطنين من منطلق شفقة وإحسان، إنما في الحالة الأردنية، هناك أبناء الشعب يعتبرون الملك أبا لهم، وهي علاقة تتجسد بالتحام القائد مع شعبه والعكس، لذلك لا يوجد يد عليا ويد دنيا، هناك ملهوف ومستغيث، يتوسم بوالده المساعدة، والملك هنا أب للجميع، ولطالما قالها لنا، سواء في الديوان أو الحكومة، أن توجهوا للناس ومطالبهم، وإياكم والتقصير بواجبكم بحق أي مواطن، فنحن بلد يحترم أهله وسكانه.
ما أريد قوله، أن الملك ليس بعيدا عن شعبه، وهو قريب دوما، وقد عاصرته منذ العام 1993 عندما كان في القوات المسلحة، وكان مطلعا على مواجع ومشاكل الأردنيين، وعندما أصبح ملكا العام 1999 جئت معه رئيسا للتشريفات، وكان دوما متواصلا مع شعبه، ومطلعا على أدق التفاصيل.
في إحدى المرات، سألني جلالته عن حقيقة ما إذا كان الاردنيون يعانون كثيرا عند مراجعة الدوائر الحكومية، فأكدت له ذلك، وان الموظف يعتقد أنه امبراطور يريد التحكم بالناس، فما كان من جلالة الملك الا ان بدأ عملية التخفي وزيارة الدوائر الرسمية.
وبعد عدد من الزيارات التي قام بها جلالته متخفيا، قام بتأسيس جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز. كان دوما يتكلم معي صباح كل يوم، بعد استماعه إلى معاناة الناس عبر الاذاعات، فهو دائم التواصل، وورث كل العبر عن والده جلالة الملك الحسين العملاق، وتربى في كنف الهاشميين.
وعن الشعارات الأخيرة، التي ترمى بالشارع ولم تجد لها صدى من أي مواطن، فإن جلالته، قال لي بالحرف الواحد "سأتحمل الاساءة لي ولعائلتي، وسنمضي في الإصلاح".
لكني، كفيصل الفايز، لا أقبل بالإساءة لرمز البلاد، وأنا مع تطبيق القانون، وإن كنا اليوم في وضع لا نريد فيه تضخيم الأمور، ونريد أن نبقي على حالة التسامح، فإن بناء الدولة الحديثة يتطلب تطبيق القانون على كل مسيء ومخطئ ومفتر.
كلنا مع الحراك السلمي، لأنه جزء من العملية الديمقراطية، ومجموعات الضغط موجودة في كل دول العالم، لكن أنا مع الحراك السلمي، دون إساءات، حتى الاساءة لمؤسسات الوطن مرفوضة، وان يأتي شخص ما، في دائرة معينة، كدائرة أمنية، ويكون سيئا او لا يصلح لمنصبه، فهذا لا يعني ان المؤسسة برمتها سيئة لأبدأ بمهاجمة مؤسسات الوطن. هذه مؤسسات وطنية، ويجب صونها من كل سمعة سيئة.
أنا، وإن كنت مع الأمن الناعم، فإني أيضا مع تطبيق القانون على الجميع، وليس فقط حيال الحراك، بل على كل من يتجاوز القانون باتجاه الاساءة للدولة والنظام.
* هل نسير بالعملية الإصلاحية بانسيابية، أم أنك قلق على تقدمنا في هذا الملف؟
- أنا متفائل جدا، لأن خريطة طريق الاصلاحات وضعت على السكة ومسارها، وآخر محطاتها باتت معروفة للجميع، صحيح أننا نخشى التعثر لسبب أو لآخر، لكن الإرادة السياسية غدت اليوم واضحة، لا شك فيها، وهي لم تكن واضحة في يوم من الأيام كما هي واضحة اليوم.
فمع رغبة الملك وإرادته الإصلاحية، والمدعومة بقوى الشارع الضاغطة باتجاه الإصلاح، تكون جميع المكونات الأساسية قد تحققت، وبقي أن نركز على الأهداف، وبعد أن نتحلى بالصبر قليلا، ونوسع صدرنا للحوار وتفهم الآخر.
برأيي، فإنه بعد إقرار قانون الانتخاب، ستكون هناك حكومة جديدة، في تموز "يوليو" المقبل، وحل للبرلمان، على ان تجرى الانتخابات قبل نهاية العام، بمنتهى النزاهة والشفافية.
الفايز يرى أن قانون الانتخاب سيسير في قنواته الدستورية ويستبعد إعلان حالة الطوارئ لتمريره
* هل أنت مقتنع بالإشاعات، التي تروج لصفقة بين الحكومة والحركة الإسلامية على قانون الانتخاب؟
- لا اعتقد أن هناك تفاهمات، وأنا لست مع نظرية المؤامرة أصلا في هذا الموضوع. وبالنسبة لرئيس الحكومة عون الخصاونة فقد صرح بأنه لا يطمح بالترشح للانتخابات. وأنا رأيي الشخصي ان لا صفقات سرية او صفقات تحت الطاولة.
*هل تتوقع اختلافا في تركيبة مجلس النواب المقبل، بعد الانتخابات، في ظل نظام انتخابي يشمل القائمة النسبية؟
- كما قلت، لن يكون هناك تغيير على تركيبة المجلس الحالي، لكن في حال إقرار القائمة النسبية، فسيصل بعض الحزبيين إلى قبة البرلمان، لكن بنسب معقولة، وإن كنت تقصد الإسلاميين، فأنا احث الحركة الإسلامية على المشاركة، ليكون لهم دور في مستقبل الأردن، وعليهم، إن عادوا إلى تحت قبة البرلمان، أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة.
* هناك توقعات بأن لا يسير قانون الانتخاب بسلاسة وسهولة داخل مجلس النواب، ما يدفع ببعض الشخصيات السياسية للإشارة الى سيناريوهات أخرى، مثل إعلان حالة الطوارئ، وإصدار قانون انتخاب مؤقت، كيف ترى هذه الاحتمالات؟
- لا، لا أرى حالة استثنائية لإعلان حالة الطوارئ، وقانون الانتخاب سيسير عبر قنواته.
لكن، على فرض أننا وصلنا إلى طريق مسدود، فأمام جلالة الملك خيار، بأن يعلن حالة الطوارئ، ويجوز من خلالها إصدار أي قانون مؤقت، لكن نحن نريد أن نغلق باب القوانين المؤقتة، ونريد أن تحظى تشريعاتنا بميزة الاستقرار التشريعي.
جلالة الملك يمكن له أن يتدخل في حالة استعصاء الحكومة والنواب في إقرار قانون الانتخاب، بحيث يتدخل في اللحظة الحاسمة، من اجل إجراء الانتخابات نهاية العام، لكنني أستبعد هذا السيناريو، فالدورة الاستثنائية مثلا كفيلة بإنهاء قانون الانتخاب.
* لو أردنا رسم جدول زمني لمرور الإصلاحات، وصولا لإجراء الانتخابات المبكرة، كيف يمكن أن نرسم ملامح هذا المشروع، في ظل التطورات على الساحة المحلية؟
- اعتقد أن تأخر الحكومة في إرسال قانون الانتخاب شكل صدفة جيدة، وهنا قد اختلف مع المستعجلين والمتحمسين.
فتأخر إرسال القانون لمجلس النواب مع قرب انتهاء الدورة العادية الحالية، أمر يخدم الجدول الزمني للإصلاح. إن سألتني كيف فسأقول: على الحكومة في هذه الأثناء أن تنشغل بالتحضير والتجهيز للهيئة المستقلة للانتخابات، وهي الجهة الأكثر أهمية في المستقبل القريب، والأعين ستتوجه وستتركز عليها.
ثم علينا أن ننتبه الى أن التعديلات الدستورية الأخيرة أمهلتنا فقط 4 شهور لإجراء أية انتخابات بعد حل مجلس النواب القائم، وذلك ضمانا لعدم حدوث أي فراغ تشريعي، بمعنى أن أي مجلس يحل، ولا يأتي مجلس بعده بأربعة شهور، يعود المجلس السابق لممارسة عمله التشريعي والرقابي، وإذا أردنا إجراء الانتخابات نهاية العام الحالي فعلينا أن نحل المجلس القائم في شهر آب (اغسطس) المقبل.
إذاً، علينا أن نتحمل قليلا، لأن الأمور مرتبطة ببعضها، تحضير الهيئة المشرفة على الانتخابات، وتمكينها من القيام بدورها، إقرار قانون الانتخاب بصفة دائمة وسط توافق من قبل التيارات والقوى السياسية، حل مجلس النواب، تقديم الحكومة لاستقالتها، وتشكيل حكومة انتقالية، كل هذا علينا أن نقوم به على هدي من المدد الزمنية المتاحة، والتي سقفها نهاية العام الحالي.
* أحد الملفات الرئيسة، التي تدفع بالحراك في الشارع وتثير حنق الأردنيين، هو ملف محاربة الفساد أو مساءلة الفاسدين، وهناك تهمة للجهات المعنية بمحاربة الفساد بالانتقائية في فتح ملفاته، ما هو تقييمك لأداء الجهات المعنية في محاربة الفساد؟
- الفساد موجود في كل دول العالم حتى الديمقراطية منها، ورغم أنني مع الإجراءات القانونية في محاربة الفساد، لكنني اعتقد أنه تمت المبالغة بهذا الموضوع في الأردن. لست مع أن يتهم المسؤول، ويدان ويحاكم في الشارع وفي الإعلام.
الحل الأمثل هو أن يحاكم الفاسد بسرية في المحاكم، على أن يكون إعلان الأحكام على مرأى ومسمع الإعلام، لكي لا نقع بأزمة اغتيال الشخصية.
كذلك، لا ضير من أن يضاف إلى قانون إشهار الذمة المالية بند واحد يتضمن السؤال: من أين لك هذا، وبموجب قرار محكمة أردنية، ان يتم الكشف عن أموال أي مسؤول في أي بنك في العالم، ليصار إلى مساءلة المسؤول عن كل ما لديه، حينها يمكن فتح تحقيق مع من يثبت أنه مد يده على المال العام، أما الآن فالأمور أصبحت غير معقولة، وهي لم تحل الإشكالية القائمة.
* فيما يتعلق بأزمة إعادة إنتاج النخب السياسية، خصوصا ونحن نتحدث عن إصلاحات شاملة، ألا تعتقد أنه بات من الضروري إعادة إنتاج نخبة سياسية، تتحمل المسؤولية وقادرة على محاكاة الشارع بأفعال وليس بأقوال؟
- من جديد أرى أن الانتخابات المقبلة، وإجراءها على أسس من النزاهة والحيادية، ستمكننا من تقديم نخب سياسية جديدة، وإذا كانت هذه النخب ممثلة للشارع بحق، فسنكون أمام مشهد جديد، من استعادة استخراج النخب من رحم الشارع، وعندها سيكون المسؤول مضطرا لمحاكاة هذه النخب بطرق جديدة، ومن لم يتغير أو يتمكن من أداء عمله على المستوى السياسي، فالماكينة الإصلاحية ستلقي به خارجا.
اعتقد أنه ينتظرنا مشهد، سنستعيد فيه هيبة مؤسساتنا، وبالتالي وكنتيجة حتمية سنستعيد فيه ثقة شارعنا.
النائب القوي هو ورقة ضاغطة على الحكومة، لكن، لا نريد أن يضغط على الحكومة من أجل تحصيل خدمات شخصية. نريد منه أن يقدم خدمة تشريعية سياسية بالدرجة الأولى وخدمات لابناء منطقته، ومتى تمكن النائب من دوره الرقابي التشريعي، ستلجأ الحكومات فورا للحذر المسبق من رقابته عليها، وعندها فإننا سنكون أمام مشهد توازن وتكافؤ في السلطات، ما ينتج أداء أفضل للمؤسسات الرئيسية.
معايير تشكيل الحكومات في الفترة المقبلة يجب أن تراعي فكرة الحضور الجيد والممثل، لأن الحكومات هي الأخرى مصنع انتاج نخب سياسية، ويجب عليها ان تقدم نخبا، صاحبة رؤية وطنية ثاقبة، وان تحوز ثقة الشارع.
الحكومة الانتقالية، التي ستأتي بعد حل البرلمان وإقالة الحكومة وتشرف على الانتخابات، لا بد ان تحوز على ثقة الشعب أولا، وأن تضم وزراء يمثلون كل الأطياف السياسية، من قوميين ويساريين وإخوان مسلمين، إذا أرادوا، وأبناء العشائر، لتكون هناك ثقة بين الحكومة والشعب.
اما المرحلة التي تلي الانتخابات، فستكون هناك حكومة برلمانية، وهي ستنقل الاردن إلى جو من الاستقرار، وعندها يجب أن نتفرغ لمشكلتنا الأخرى، وهي الاقتصادية، حيث لا بد من توفير فرص عمل للشباب، وإنشاء مشاريع تنموية في مناطق الأقل حظا، وإذا تم العمل على الشقين الاقتصادي والسياسي، فسنصل حتما الى أهداف الإصلاح الشامل وأجواء الاستقرار التام.
* إذا قلنا أن أغلبية مجلس النواب المقبل ستكون معارضة، فكيف يمكن للنظام ان يتعامل مع هذا الشكل الجديد من الحياة السياسية، وان يشتبك مع البرلمان ومع الشارع لإنتاج حالة أردنية قائمة على تعظيم المنجزات؟
- اعتقد أن الأهم من التفكير بشكل الحياة السياسية المقبلة، أن نجري انتخابات حرة ونزيهة، فإن كانت كذلك، ووصل نواب إلى البرلمان بطريقة صحيحة فأعتقد أن كل مشاكلنا ستحل.
عندما تشكل حكومة برلمانية، وبغض النظر عمن ستضم من أعيان ونواب وغيرهم من فنيين، وتحظى بثقة مجلس نواب يثق به الشارع، عندها سنكون مشينا على الطريق الصحيح. وأجزم أن جلالة الملك سيكون سعيدا بهذا التوجه، ومرتاحا له، لأنه يعبر بالمحصلة عن رؤية جلالته.
* ثمة حالة فوبيا وتخوفات على مستقبل الإصلاح، مع المعارضة الإسلامية، في حال مشاركتها بالانتخابات وحصد أكثرية أو أغلبية، وأن يسيطروا على النخبة السياسية؟
- لست مع التخويف من الإسلاميين، ولا أجد أنهم ضد الوطن، حتى أخاف منهم، فهم قوة سياسية فاعلة، وجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والفعل السياسي.
لذلك، لا أجد مبررا للتخويف من أية قوى سياسية، تعمل على السطح وبالعلن، ثم أن الديمقراطية، بمعناها المتجرد، تسمح للمواطن بالتعددية، ومن لا ترضيه أغلبية اليوم، يستطيع تغييرها عبر صناديق الاقتراع بالمرات المقبلة.
المهم، أن لا نبقى مسكونين بالهواجس ضد هذا الطرف أو الآخر، وإن كنت اتمنى أن نرى في المجلس المقبل، حضورا للأحزاب القومية واليسارية.
فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، ومن باب التحليل، وليس من باب التوقع أو التكهن أو حتى الرغبة الذاتية، فلا أعتقد انه ستكون لهم نسبة كبيرة، أوغالبية في البرلمان القادم، لأن الغالبية ستنتخب على أسس عشائرية، لكن فلنبدأ بهذه التجربة، تجربة الحكومة البرلمانية، كل تجربة نخوضها هي التي تحدد المسارات اللاحقة، ولنر ماذا سينتج عن الانتخابات المقبلة.
وربما يكلف جلالة الملك شخصية من خارج خارج مجلس النواب بتشكيل الحكومة البرلمانية، وقد يضم أفرادها نوابا واعيانا. ثم نستطيع بعدها أن نقيم.
وهذا الأمر ليس جديدا، لأنه في زمن الراحل الملك الحسين رحمه الله، كان هناك حكومات برلمانية، لكن الظروف اليوم اختلفت.
*هناك من يقول أن مجلس النواب الحالي يدفع باتجاه المماطلة والتسويف، وذلك من أجل تأجيل موعد الانتخابات المقبلة؟
- بالنسبة لي؛ وما اعرفه جيدا، أن جلالة الملك قالها بوضوح، وفي أكثر من مناسبة، انه لن يسمح بحدوث تباطؤ، بل وأكد مرارا، حتى أمام الرأي العام الغربي، أن الانتخابات ستجرى قبل نهاية العام.
قد لا يكون الموعد مقدسا، أي أن الانتخابات قد لا تجرى قبل نهاية العام الحالي، وقد تجرى بدايات العام المقبل، لكن الأهم هو أن لا نتجاوز عن هذا الموعد، فالأمر مرتبط بصورتنا الديمقراطية، ومسيرتنا الإصلاحية التي يتقدمها جلالة الملك.
* ثمة حالة ضعف في مؤسسات الدولة، وضعف في شاغل الوظيفة العامة، وقد تم تشويه الوظيفة العامة وتهميشها، كيف يمكن إعادة بناء كل ذلك؟
- المسؤول يجتهد، يخطئ ويصيب. مثلا، عندما كنت رئيس حكومة، كان عندي أخطاء، ويمكن ان أكون اتخذت قرارا قبل عشر سنوات، وكان صحيحا وقتها، واليوم غير صائب، والمسؤول لا يجب أن يكون مرعوبا. كما لا يجوز أن نرهب المسؤول بأن كل قرار يتخذ يحمل شبهة فساد، ففرضا اتخذت قرارات خاطئة، فليس بالضرورة ان تعتبر فسادا إداريا.
اليوم، المسؤولون مرعوبون، وهذا أكبر خطأ، لأنهم يخشون المحاسبة بعد سنوات. يجب ان يتخذ المسؤول قراره بلا تخوف. وطبعا الإعلام يلعب دورا كبيرا اليوم، في كل ما يجري على الساحة المحلية.
لكن، النقطة الأهم في إعادة الاعتبار لكل مؤسسات الدولة انه يجب أن يأتي عبر تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، ولا يجب أن يكون أحد فوق القانون، وعندها ستعود هيبة الدولة وبثقة الناس بالدولة.
أما عن آلية التعامل مع المحتج في الشارع، فعلى المسؤولين أن يشتبكوا مع الناس، وعليهم أن يتحدثوا إليهم، فإما أن يكون المسؤول مخطئا ويعترف بخطئه، أو أن يقنع الشارع بحججه وبراهينه.
* وأنت تتحدث عن تأثير الإعلام على الساحة المحلية، إلى أي مدى يمكن للإعلام أن يكون إيجابيا وفاعلا ومؤثرا بالرأي العام؟
- لنعترف أولا، أننا نعيش أجواء حرية إعلامية، ولو نسبيا، لكن لنعترف أيضا أن نطاق الإعلام المسؤول محدود جدا، لذلك، إذا ما قلنا بتلازم مسارات الإصلاح، فيجب أن لا ننسى القطاع الإعلامي، وضرورة الإصلاح فيه، سواء من الدولة عبر التشريعات، او من الجسم الصحفي والإعلامي نفسه، عبر تنظيم المسؤولية فيه، وإلحاقها بنقابة الصحفيين، لتكون هي الجهة التي تحاسب من يتجاوز.
يجب أن نجلس، ونتحدث بهدوء في موضوع الإصلاح الإعلامي، فقد تطور الجسم الصحفي، وبات يضم كافة أنماط الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني.
إصلاح الإعلام يبدأ بالدعم لهذا القطاع، ثم يجب أن تتدخل نقابة الصحفيين للتمييز بين الغث والسمين في الإعلام، على أرضية من المهنية، ثم ليتبع جميع الإعلام لمحاسبة النقابة، والتي يجب أن تتوسع صلاحيات سلطتها، على كل من يخالف أو يتجاوز على القانون.
* ما يزال جدل الهوية يشكل هاجسا للملف الإصلاحي، وتحقيق معدلات مشاركة حقيقية، لأي مدى يمكن الاشتباك مع هذا الملف على أرضية صلبة، وأفكار واضحة تحسم جدل الهوية؟
- لا اتفق مع أحد يحاول تغيير شكل وملامح المجتمع الأردني، فالوحدة الوطنية هي السمة التاريخية للمملكة، وعبر كل الأحداث التي مرت، ما كان للأردن أن يقوى على التحديات دون وحدة آبائه الوطنية، والتي ميزت أمننا واستقرارنا على مر العقود.
أين يمكن أن تجد صورة مجتمعية هادئة ومستقرة مثل الأردن؟ فتجد أن المخيم على حدود مضارب العشائر، وتجد أن النسب والمصاهرة دمجت المواطنين بصورة ولا أجمل.
أنا مع الوحدة الوطنية، وكل من يحمل رقما وطنيا هو أردني، ولا داعي للمزاودة بهذا الأمر، وإن كان هناك من يدعي غير ذلك، فإنه كمن "يغمس خارج الصحن"، وفي قلبه كلام لا يخدم الوطن.
لكن، علينا أن نعترف أن الحقوق المدنية للبعض قد تم المساس بها، نتيجة خطأ غير مقصود وليس منهجيا، نتيجة سوء تقدير لموظفين صغار، واعتقد أن المشكلة تم التعامل معها بطريقة مثلى، عندما أسندت مهمة سحب الأرقام الوطنية أو منحها، إلى مجلس الوزراء.
الكل على الأرض الاردنية أردنيون، ولا يجوز التعامل معهم على أساس آخر، لأن جلالة الملك، وهو القدوة لنا جميعا، لا يعرف التمييز بين الناس، فكيف لموظف أن يقوم بذلك؟! وكل من يحمل الرقم الوطني له حقوق كاملة وعليه واجبات كاملة.
أما إن سألتني عن الحقوق السياسية، فهناك حقيقة ثابتة يجب التعامل معها، وهي وجود احتلال على الأرض الفلسطينية. إذا منحت الحق السياسي المطلق والكامل للأردنيين من أصل فلسطيني، والذين يحملون الرقم الوطني الفلسطيني، فأنا كمن يقر بشرعية الاحتلال والوطن البديل على الأرض الأردنية، لذلك مسألة التمثيل في البرلمان يجب أن تكون مدروسة بعناية، وذلك حتى لا أقدم الذريعة لإسرائيل لأن تقول أن الأردن هي فلسطين، أو أن الفلسطينيين سكنوا الوطن البديل لهم.
بهذا الشأن، أنا مع التمثيل النسبي، وذلك ليس من أجل حرمان مواطن من حقه السياسي، ولكن حفاظا على حقه التاريخي في أرضه فلسطين، ودعونا نتدرج في التمثيل النسبي، لكن، وعيننا على الأرض التي سلبت منا، وعندما تنتهي أزمتنا التاريخية مع الاحتلال، لكل حادث حديث.
وأكرر انا مع كامل الحقوق السياسية، لكن بتدرج، وليس خطأ إضافة أردنيين من أصول فلسطينية إلى البرلمان، وأقولها بكل صراحة، لكن بتدرج، أما الحقوق المدنية فيجب أن تصان، وأن لا يحاسب احد على أصله، من الكرك او الضفة الغربية او غيرها.
* لكن هناك تيار سياسي يرد على هذه الجزئية بأن الشرق أردنيين أخذوا القطاع العام، والغرب أردنيين أخذوا القطاع الخاص، وأي تلاعب بهذه المعادلة سيظلم أحد الطرفين؟
- لا أعتقد أن ذلك صحيح، فقد يكون الاردنيون من أصول فلسطينية يحبون العمل في القطاع الخاص، لكن هذا لا يعني أن لا تفتح لهم أبواب العمل في القطاع الحكومي، البعض يأخذ من هذه الأقاويل منبرا لبث سموم وأفكار لا تنسجم وطبيعة مجتمعنا الأردني، المنصهر بوحدة وطنية لا مثيل لها.
المشكلة، التي لا حل لها لغاية الآن، هي التمثيل السياسي، لأنها مرتبطة بحقوق تاريخية في فلسطين يجب أن لا ننساها، ولا نتجاوز عنها.
ادعو وبكل صراحة ووضوح لنقاش هذا الموضوع على الطاولة، وبمنتهى الشفافية. يجب أن لا يظل النقاش على هذا الأمر تحت الطاولة، أو في الغرف المغلقة، ويجب أن نحد من الخطابات المتعددة، وننسجم بخطاب واحد، وهو أن كل من على الأرض الأردنية، ويحمل الرقم الوطني، هو أردني له كامل الحقوق، وعليه كافة الواجبات، وأنا، كشرق أردني، مقتنع بوجوب وجود الحقوق السياسية لكل المواطنين، لكن دون منح ذريعة لإسرائيل بشأن الوطن البديل، ولا بد من أن يبحث هذا الموضوع والنقاش فيه.
* فيما يتعلق بالأرقام الوطنية وسحبها، ألا يجب ان توضع معايير واضحة ومحددة لذلك، حتى يضمن الأردني سلمه واستقراره؟
- دعونا نعترف أن هناك أخطاء وقعت، وتجاوزات ارتكبت، ما سبب بعض الظلم على أعداد محددة.
نحن نحتكم في هذا الشأن إلى تعليمات فك الارتباط، وهذه التعليمات يجب التعامل معها بروح نصوصها، وليس بحرفية معانيها، لكن بالضرورة هناك حالات إنسانية من الواجب أخذ أوضاعها بعين الاعتبار .
اعتقد أن الموضوع انتهى عند منح صلاحيات السحب والمنح للأرقام الوطنية لمجلس الوزراء، وبحدود علمي فقد انتهى تعسف أي موظف، في أن يتحكم بمصير الناس، وهي خطوة مهمة في هذا الملف.
* تاريخيا كان هناك اندماج تام في القطاعين العام والخاص حتى السبعينيات، ونسبة الأردنيين من أصول فلسطينية، وصلت إلى 55 % في الجيش، لكن بعد ظرف أيلول أصبح هناك تشوه في المؤسسية بين القطاعين العام والخاص، كيف يمكن العودة لدمج المكونين الأردني من أصل فلسطيني وأردني داخل مؤسسات الدولة؟
- لا اتفق ولا اعترف بالطرح الذي يقول أن هناك حقوقا منقوصة، لأن أعلى مراتب الدولة الأردنية وصل إليها أردنيون من أصول فلسطينية، لكن القضية يجب ان تبحث دون ان نتغنى بالوحدة الوطنية، لا يجب ان يكون هناك تمييز، لكنني مع التدرج، ولا نقاش في مسألة المواطنة، وهذا منصوص عليه في الدستور ، كانت المشكلة دائما تخبأ تحت السجادة، لكن في عصرنا لا بد من مناقشتها، ما دام هناك إجماع على العرش، لأنه هو صمام أمان، والملك هو رمزنا ومرجعيتنا لكل أطياف الشعب.
* أمام كل هذه التحديات الداخلية، نجد أنفسنا في المملكة نعاني من اضطراب الإقليم، وعدم استقراره، الجبهة الجديدة سورية، تنذر بعواقب وخيمة علينا وعلى الإقليم، فبعد الأخطار السياسية، ثمة رعب اقتصادي من الأزمة السورية، كيف تقرأ المشهد؟
- الوضع الإقليمي مقلق جدا، وسورية وضعها مختلف عن مصر أو تونس، وهي رقم صعب بالمنطقة، فإذا سقط النظام هناك سيؤدي ذلك إلى حرب أهلية، قد تمتد لمناطق أخرى. أنا مع الحل السياسي، والآن لدى كوفي أنان خطة، ونأمل أن تنجح مساعيه، لأننا نرى في استقرار سورية استقرارا للأردن، والإصلاح قادم في سورية، لكن يجب منح بعض الوقت، ولا يمكن العودة للوراء ولا يمكن لأي نظام عربي أن لا يقبل إلا بالإصلاح.
لكن كيف سيأتي الإصلاح هذا هو السؤال. أنا مع الحل السياسي في سورية، حتى الحديث عن تسليح المعارضة فإلى ماذا سيؤدي؟ هذا سيدفع باتجاه حرب أهلية، ويدفع لتقسيم سورية، فمصلحة من وراء ذلك؟ اعتقد أنه سيخدم اسرائيل، ويؤثر بشكل كبير على مستقبل حل القضية الفلسطينية، فأنا لا انظر إلى افتعال أية أزمة وحرب في المنطقة إلا من منظار آثارها على القضية الفلسطينية.
برأيي أن سيناريو الحرب الأهلية وتقسيم سورية سيسبب أزمة أمنية كبيرة، قد تمتد آثارها للأردن، فمثلا، هل نستطيع تحمل مليون لاجئ سوري؟ السيناريوهات في سورية كلها مقلقة للأردن، لكن الموقف الذي نتمنى أن يكون هو وقف سفك الدماء، والوصول لحل سياسي للأزمة، مهما كان شكل الحل.
* ماذا عن إيران وطرق التعامل معها، وكيف يمكن أن يكون هناك استقرار، في ظل المناوشات الإعلامية بين الغرب وايران وإسرائيل، مع سباق واضح في التسلح النووي؟
- أي افتعال لأي حرب جديدة في المنطقة، ليس من مصلحة أحد، اسرائيل التي تدعو إلى ضرب إيران. اوروبا تعلم جيدا أن الإقدام على مثل هذه الخطوة، سيؤدي لرفع أسعار النفط، ليصل ما بين 250 إلى300 دولار، وهو ليس لمصلحة الاقتصاد الاوربي، ولا لمصلحة اقتصاد جنوب شرق آسيا، وبالتالي سينعكس على الاقتصاد الاميركي والعالمي. نسبة النمو في الاقتصاد الاوروبي حاليا هي صفر أو نصف او واحد بالمائة، وهناك مشاكل تتعلق باليورو ومشاكل اليونان وفرنسا وإيطاليا واسبانيا، فهل الاقتصاد الاوروبي سيتحمل ذلك.
أما (إسرائيل) فعندها ستفتح على نفسها جبهة جديدة وواضحة، وقد نضطر عند الحرب إلى إغلاق كل ملفاتنا السياسية ومستقبل التسوية السلمية في الصراع العربي الإسرائيلي، وننتظر إلى أن تضع الحرب أوزارها، لكن موعد انتهاء الحرب، سيكون بعد خراب مالطا. الغد[/b]
الفايز، الذي ترأس مجلس النواب السادس عشر في دورته الأولى من العام الماضي يجد في التعديلات الدستورية الأخيرة؛ ما هو أبعد من مطالب الحراك الشعبي في العودة إلى دستور العام 1952، فالتعديلات الدستورية "تضمنت مبادئ إصلاحية أكثر بكثير مما جاء به دستور 52".
وبين الفايز أن الدستور كرس مبدأ الفصل بين السلطات على أسس حداثية، فيما أبقى صلاحيات جلالة الملك؛ لحاجة ماسة وضرورية، وهي الفصل في تنازع السلطات، عند الاستعصاء السياسي، وتشنج المواقف بين السلطات.
ويشرح الفايز فكرته، بالتساؤل: "ماذا لو استعصى الاتفاق بين الحكومة النيابية، صاحبة الولاية، وما تبقى من أعضاء مجلس النواب كسلطة رقابية"؟ في هذه الحالة أليس الملك وصلاحياته ضمانة لنا جميعا بالفصل بينهم بتكليف حكومة جديدة"؟
من وجهة نظر الفايز، فإن التعديلات الدستورية أحدثت نقلة نوعية بمفردة الدستور الأردني، لصالح تمكينه من مستويات إصلاحية متطورة، تلبي حاجة الأردن الراهنة من الإصلاح الدستوري، كما تراعي التعديلات الخصوصية السياسية للبلاد.
واوضح الفايز، في حوار مع أسرة الزميلة "الغد"، أن جلالة الملك أعلن، وأمام الجميع، أن باب تعديل الدستور "سيظل مفتوحا على التطوير المستمر، وبشكل يلبي متطلبات التطور السياسي والتشريعي في البلاد".
وهو ما يقدم ضمانة لمطالبات الشارع بأن التعديل على الدستور هو شكل من أشكال تنظيم علاقة الدولة ومؤسساتها بمكوناتها.
ويرى الفايز أن مفتاح حل أزمة الاستعصاء السياسي في البلاد، "مرهون بإجراء انتخابات حرة ونزيهة"، وعلى هدي قانون انتخاب، يضمن أسسا واضحة من العدالة في التمثيل، في حين أن نزاهة الانتخاب هي أمر "محسوم لا رجعة عنه"، خصوصا في ظل حالة انعدام الثقة بين الشارع والمؤسسات الرئيسة في البلاد.
الفايز يؤكد جدية الدولة، هذه المرة، في إجراء انتخابات نزيهة، ويجد أن هذا هو مفتاح تنظيم حالة المعارضة، فالمجلس الممثل لمكونات الشعب القادم عبر قانون انتخاب يضمن الحد الأدنى من التوافقات بين التيارات السياسية والاجتماعية، وهو حاجة أساسية لضمان عبور المملكة لمرحلة التحول الديمقراطي الأهم في تاريخ البلاد.
في الأثناء، يتمنى الفايز على القوى الشبابية والشعبية، وحتى السياسية، المشاركة الحقيقية في أي عملية سياسية، يتمخض عنها انتخاب ممثلين مختارين عنهم، عندها سيؤدي مجلس النواب وظيفته الديمقراطية الحقيقية وهي "تمثيل الشعب".
ولا يقلل الفايز من أهمية مجلس النواب السادس عشر (الحالي)، لكنه ينتقد، بشكل غير مباشر، الأسس التي مهدت لولادة المجلس الأخير، فقانون الدوائر الوهمية، برأي الفايز، أحدث تفسخا آخر في النسيج الاجتماعي، في حين أنه لم يرض التيارات والأحزاب السياسية.
ويستعرض الفايز إنجازات مجلس النواب الحالي، لكنه ينتقد أيضا تراكم الأخطاء في المجلس، كما يشير إلى أن "ألغاما" وضعت في قلب المجلس، والتي "كانت نتيجة التخريب المنهجي، الذي قصد منه تشويه مؤسسات الدولة".
الفايز يجد أن إعادة إنتاج النخبة أمر بات "ضروريا أمام حالة الضعف العام لمؤسسات الدولة"، فالمسؤول المرعوب "بات خطرا على قرارات الدولة وبوصلتها".
وفيما يلي نص الحوار:
* بداية، أين تتجه البوصلة المحلية اليوم، هل ترى ان مسيرة الإصلاح ماضية في استكمال محطاتها؟
- أحاول أن أنظر إلى الأمور بعين المتفائل، وبغير ذلك، أعتقد أننا سنكون سلبيين. مسيرة الإصلاحات الشاملة في البلاد لم تنقطع منذ تولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، لكنها تعثرت بحكم أكثر من ظرف، ونتيجة تدخلات أكثر من طرف وقوى شد عكسي.
إلا أن الأمر المحسوم لدى جلالة الملك ومنذ بدايات عهده، هو الإصلاح الشامل وفق مبدأ تلازم المسارات.
واسمحوا لي أن أنقل شيئا مما سمعته من الملك في هذا السياق، فجلالته اعتبر ان ربيع الإصلاح العربي، فرصة التقطها جلالة الملك لتنفيذ برنامجه الإصلاحي الطموح.
لا شك أن محطات كثيرة أدت إلى تأجيل وتعديل نهج الإصلاحات، التي أرادها جلالة الملك، فكل الأحداث في بداية عهده كانت صادمة ومؤثرة، فمن الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتداعياتها، إلى احتلال العراق وما نتج عنه من أضرار على الأردن، إلى أحداث 11 سبتمبر، وما انتجته من هواجس أمنية تقدمت على مبادئ الإصلاحات السياسية، وصولا إلى أزمة العبث بمؤسسات الدولة، عبر مناكفات نافذين ومؤثرين بالقرار السياسي والأمني، كل هذا أدى إلى تعثر جهود الإصلاح التي يقودها جلالة الملك.
واتذكر جيدا أن جلالة الملك عندما كلفني بتشكيل الحكومة كانت توجيهات جلالته واضحة بأن الإصلاحات الشاملة مبدأ لا رجعة عنه، وقد قمنا بالرد على التكليف السامي بشكل برامجي، يؤدي بالنتيجة إلى تنفيذ رؤى جلالة الملك الإصلاحية، لكن قوى الشد العكسي عملت على تقويض كل ما بنيناه في تلك المرحلة، إضافة إلى تداعيات الأحداث التي ذكرتها سابقا.
المهم اليوم، وبالتحديد منذ سنة وأربعة شهور، فإن الحراك الشعبي والشبابي قدم الفرصة لجلالة الملك ليتقدم ببرنامجه الإصلاحي، والذي فيه مصلحة النظام نفسه، وتحييد لكافة قوى الشد العكسي.
وبالمناسبة، سمعت من الملك عن نيته بتعديل الدستور قبل أن يطالب الحراك الشعبي بذلك، لكنه كان يؤجل الأمر، حتى تنضج الفكرة لحجم التعديلات الدستورية المطلوبة، حتى تزامن تشكيل اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور مع ضغط الشارع، وباعتقادي الجازم، فإنه لا يضير جلالته أن تتقاطع رؤيته مع مطالب الشارع، بل على العكس، أكرر أن الملك انتهز فرصة ضغط الشارع لإنفاذ مشروعه الإصلاحي الاستراتيجي.
* بالنسبة للتعامل مع حالة الاستعصاء السياسي، الذي تعيشه البلاد، مد وجزر في المواقف بين الحكومات والقوى السياسية ما يحول دون تبلور حالة من الاسترخاء، برأيك، ما السبيل للتعامل مع الأزمة؟
- برأيي المتواضع، فإن المشكلة لدينا سهلة، والحلول لا تحتاج إلى معجزة. كل المطلوب الآن أن نقترب جميعا من قراءة مصلحة الوطن ومتطلباتها، وعلينا جميعا أن ننظر إلى الإقليم من حولنا وحالة الفوضى العامة. الاستقرار والأمن والأمان، هي ما تميز بيئتنا الأردنية، ومظلة النظام هي التي توفر هذه المزايا.
الولاء للنظام والتمسك به؛ ليس مشاعر فقط، بل مصلحة، لأننا نعرف جيدا خصوصيتنا في الأردن ومعنى ومتطلبات استقرار الحكم، لذلك فالإجماع متحقق في الشارع.
ثمة حالة إيجابية في الحراك الشعبي، فهو يطالب بإصلاحات شاملة وليس تغيير النظام، لذلك يجب أن ننظر إلى الإيجابيات التي حققها الحراك، في وقت يجب أن نسجل لجلالة الملك عبدالله الثاني استجابته لهذه المطالبات، بصدر واسع وتصرف حكيم.
لننظر إلى الدول، التي اندلعت فيها الثورات، ولنمعن النظر جيدا في سلوك الأنظمة فيها، ألا يسجل لنظامنا حمايته وحراسته للحراك الشعبي؟! في حين أن دولا من حولنا سجلت فيها أعداد من الضحايا بمستويات غير مقبولة.
نمتلك حالة إيجابية يجب أن نتمسك بها، فالحراك الأردني حضاري وسلمي، وتعامل النظام معه كان حضاريا وإيجابيا.
هنا أود أن أشير إلى حجم وعي وثقافة الشارع الأردني. الثورات العربية لم تأت كلها بالربيع، فقد جاء معها في بعض الدول خريف، أوراقه صفراء، وجاءت معها فوضى وتخريب، وانقلاب تام على نهج الدول المستقرة، لذلك أجد أن الحراك الأردني التقط إشارات العبث بالثورات العربية، والتزم بنهج سلمي حضاري، وبسقف مطالب معقول، ينسجم مع الحالة الإصلاحية التي نصبو لها جميعا، ولذلك لم تسجل اختراقات خطيرة، في تعبير الناس عنمطالبها بالاعتصامات أو المسيرات.
* لكن بعض الحراكات والقوى السياسية تطالب بتعديلات دستورية، تطال صلاحيات الملك؟
- صلاحيات الملك يجب أن تناقش من زاوية واضحة، فلا يجوز أن نطالب بتقليص صلاحيات الملك، ونحن لا نعرف الفلسفة من وجودها.
المواد الدستورية 34 و35 و36 تتعلق بصلاحيات الملك، واعتبرها هامة وضرورية، لتشكل حالة فاصلة عند التأزيم السياسي الذي قد تشهده البلاد نتيجة تشدد الحكومة أو النواب في مواقفهم إزاء قضية ما.
فحل "النواب"، أو إقالة الحكومة وتكليف أخرى، ليست صلاحيات تعسفية بحق السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل نحتاجها للفصل في أية حالة استعصاء سياسي بين السلطتين.
في حالة تغول طرف على الآخر، أو استقواء النواب على الحكومة، أو العكس، فما السبيل للخروج من هذه الحالة، أليست الحكمة تقتضي أن يدخل طرف محايد للتدخل؟ الملك هو الذي يفصل هنا، وهذه الفلسفة من صلاحيات الملك الدستورية.
لو كانت البنى الحزبية السياسية متينة وراسخة، وهناك تراكم بالخبرة السياسية، ولو تكرست تقاليد سياسية على مدى السنوات الماضية، لكانت هذه المطالب معقولة، أما في واقعنا الأردني، وتعرض العملية الديمقراطية للتعطل سنوات طويلة، جراء عدم الاستقرار بالمنطقة، تصبح هذه المطالب غير منطقية. نحتاج لفترة من تراكم الخبرة في العمل السياسي، وتكريس للمشاركة الحزبية الفاعلة بالبرلمان والحياة العامة، عندها قد تكون هذه المطالب فيها وجهة نظر.
وما تزال النكهة الحزبية غائبة عن حياتنا النيابية، وما تزال العشائر هي الأقوى حضورا، والتي تتشكل منها غالبية المجلس، فعلى أي أساس حزبي سيختار الملك رئيس الحكومة، إذا ما وجدنا أن 80 % من النواب قادمون من منطلق عشائري؟!
اعتقد أن الأمر يجب أن يناقش على نطاق واسع من التفهم والوعي بحساسية التعامل مع السلطات، وهذه الحقوق الدستورية لم نبتكرها نحن، فكثير من الدول المتقدمة، وعلى رأسها المملكة المتحدة، تعطي حق حل النواب وإقالة الحكومة للملك.
توجيهات الملك المتكررة بضرورة تحقيق الإصلاحات التي تطالب بها الحراكات سمعتها من جلالته منذ زمن طويل سبق ربيع الثورات العربية بسنوات، لكن الظروف القاهرة حالت دون تنفيذها، إلى جانب أن عددا من المسؤولين الذين تبوأوا السلطة خذلوا جلالته.
علينا، أولا وقبل العبث بصلاحيات الملك، أن نرسخ حياة سياسية واعدة عبر الأحزاب الناشطة والفاعلة والمؤثرة بالرأي العام، لأن أحزابنا اليوم ما تزال في طور النمو، دعوها تأخذ فرصة في التطور ثم نأتي لنناقش صلاحيات الملك.
وبالمناسبة هناك العديد من الدول المتقدمة تعطي الحق والصلاحيات في حل الحكومة ومجلس النواب لرأس الدولة وبتنسيب من الحكومة.
والملك اكد أن باب تعديل الدستور سيظل مفتوحا، كلما استدعت الحاجة، وعندما تقوى أحزابنا، ويصبح المواطن مقتنعا بها، ويبادر لانتخابها، وتنشأ الأغلبيات البرلمانية على أسس حزبية وبرامجية، عندها لكل حادث حديث.
* إذاً، البداية يجب أن تكون من قانون الانتخاب، فأي قانون نحتاج في هذه المرحلة؟
- لا يوجد قانون يحظى بموافقة الجميع، لأن لكل طرف مصالح بالقانون الذي يروج له ليأتي به للبرلمان، مناطق ومستقلين والإخوان المسلمين وكذلك الأحزاب اليسارية والقومية، وغيرها.
التدرج في قانون الانتخاب هو الطريقة المثلى للوصول للإصلاح، لأن البيئة الحزبية ما تزال قاصرة عن التأثير بالرأي العام.
صحيح أن هناك أحزابا واعدة، لكن ما تزال في أول الطريق، ونحتاج لفترة حتى تتغير ذهنياتنا عن العمل السياسي، فما يزال الولاء، بعد الدولة، للعشيرة وليس للحزب.
وباستثناء الإخوان المسلمين، التي تأسست منذ العام 1946 لا يوجد تنظيمات منظمة، او تعمل على أسس وبرامج واضحة.
وقوة الجماعة، وذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي معروفة الأسباب، فكل من يعارض له حصة في الشارع كما أن الخطاب الديني مؤثر عاطفيا ويلقى تجاوبا من فئة كبيرة في مجتمعنا.
اختلف مع كثيرين يعتقدون بأن الحركة الإسلامية ستكتسح الانتخابات المقبلة ولعدة أسباب موضوعية، أولها أنهم خاضوا الانتخابات منذ العام 1989 مع مقاطعتهم لانتخابات 1997 والأخيرة، وكانت نسب فوزهم تقريبا متساوية، باستثناء انتخابات 2007، التي جرى تلاعب واضح فيها، نال من حصتهم الحقيقية. وبالمناسبة، لو لم يتم التلاعب بانتخابات 2007 لنال الإسلاميون حصة مقاعد أقل مما حصلوا عليه عام 2003، فالظرف السياسي داخل الحركة وقتها كان مشحونا بالخلافات، ما كان سيؤثر على نتائجها دون تزوير.
لا اميل للتخويف من الإخوان أو اعتبارهم فزاعة تخيف النظام أو الحكومات، فالاسلاميون، ورغم انهم كانوا دائما معارضة سياسية، لم يقفوا ضد النظام على مدى مسيرتهم، وهم قوة وطنية لها حضورها واحترامها. أما عن تنظيمهم في الانتخابات فهذا أمر مرده التزام ناخبيهم بالتصويت، بخلاف باقي الناس والقوى السياسية ممن يتهربون من المشاركة الفاعلة بالانتخابات.
لذلك، يجب على الجميع المشاركة في الانتخابات، لأن المشاركة الشعبية بالقرار السياسي مهم، وهذا لن ينتظم إلا عبر انتخاب المواطنين ممثلين حقيقيين عنهم.
المرحلة القادمة مهمة في تاريخ الأردن السياسي؛ ولذلك يجب أن نكون سباقين ومؤثرين في أي عملية سياسية.
ويجب أن ننتخب على أساس الأفضل، حتى يفرز البرلمان المقبل نخبا سياسية جيدة، يكون قلبها على الوطن ومصلحته.
يجب أن يكون للمواطن دور في الإصلاح، وأن لا تقتصر المشاركة على النخب، التي يقتصر عليها الحديث في الإصلاح حاليا، فيما يحصر المواطن نفسه بالهموم ويبتعد عن السياسة، فهو ينشغل في تحسين وضعه المعيشي والوظيفة وليس قانون الانتخاب. اتمنى أن تكون بداياتنا في الإصلاحات شاملة، تنعكس على الاستقرار الاقتصادي والمعيشي للمواطن، وهو ما يحقق رضا المواطن عن دولته. لا بد من تلازم مسارات الإصلاح، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاعلامي، وليس التركيز فقط على الإصلاح السياسي، رغم أنه أولوية.
* لكن ما هو القانون الأنسب للانتخاب لحالتنا السياسية برأيكم؟
- القانون مؤشر مهم لمدى جدية وصدقية الإصلاح، لكن الأهم من القانون والنظام الانتخابي، هو ضمان إجراء الانتخابات على أسس واضحة من النزاهة والشفافية.
نزاهة الانتخابات أهم السمات، التي يجب توفرها في العملية الانتخابية برمتها. انا مهتم أكثر بالهيئة العليا المستقلة للإشراف على الانتخابات، ونحتاج أن نرى منها عملا حرفيا، يعيد لنا السمعة الطيبة، في الانتخابات.
المشكلة التي وقعت في الانتخابات، هي بجانب منها تتعلق بالقانون، ولكن في جوانب كثيرة، تتعلق بإجرائها والتلاعب والتجاوز بنتائجها، وهنا أقصد التجاوز الفردي من قبل المرشحين وقواعدهم الانتخابية، أو التجاوز المنهجي، والمقصود صدوره من قبل بعض مراكز النفوذ.
وقانون الصوت الواحد ليس سيئا بالمطلق، وأذكر أن واحدا من استطلاعات الرأي لمركز الدراسات الاستراتيجية أظهر أن 73 % من المستطلعة آراؤهم يؤيدون الصوت الواحد، وهذا ليس غريبا، فهناك أسباب كثيرة لتأييده، فالبعض لم يتعامل مع قانون آخر، كما ان القانون ليس سيئا بمجمله، والبدائل عنه لكثيرين غير واضحة، فيما اللغط الدارج على القوانين الأخرى والجهل بها سيدفع بالكثيرين للدفاع عن قانون مارسوا الانتخاب بموجبه.
ليس مهما القانون برأيي، المهم وبشكل قطعي هو أن نحسم ونعد جيدا لمبادئ نزاهة الانتخابات، لأن أي تزوير قادم ستكون عواقبه وخيمة.
ولن يكون هناك إجماع على أي قانون للانتخاب، لكن، بالتدرج يمكن أن يصبح لدينا وعي بالقانون الذي يخدم مصالح جميع الفئات.
فمثلا القائمة النسبية، لو خصص لها ما بين 15-20 %، فلن يكون هناك تغيير على التركيبة الحالية لمجلس النواب، لأن المجلس القادم سينتخب منه 80-85 % على أسس عشائرية، وما تبقى، بما نسبته 15 %، لصالح الأحزاب في القائمة النسبية، أما الحديث عما نسبته 50 % للقائمة، فأعتقد أن هذا الطرح فيه احتكار سياسي لصالح الأكثر تنظيما بالشارع.
لمن ستذهب الخمسون بالمائة؟! إذا لم يكن لدينا تجربة حزبية ناجحة فستذهب هذه النسبة لمصلحة طرف واحد، دعونا نتفق أننا بحاجة إلى التدرج، وأن يخصص 15 % للقائمة، وإن نضجت التجربة الحزبية، ترتفع النسبة الى 30 % إلى حين الوصول لتمثيل نسبي مائة بالمائة.
* كيف يمكن معالجة ارتفاع سقف الشعارات في الشارع، وما رأيك في التعامل مع أصحابها، خاصة في ظل تنازع رأيين رسميين تجاه ذلك، يقول الأول بضرورة تمرير المرحلة، باعتبار ان الشعارات لا تشكل إجماعا او غالبية في الشارع، والآخر يرى ضرورة استخدام الأمن الخشن مع تلك الشعارات؟
- جلالة الملك قالها، وبكل صراحة ووضوح، "إننا نريد ان نتحمل الإساءات، حتى نتمكن من إنجاز مسيرة الإصلاحات، التي قطعنا شوطا مهما فيها، وبدون خسائر".
وهذا ليس غريبا، فالحكم الهاشمي قام على مبدأين: العدالة والتسامح، وهذا ما يفعله جلالة الملك الآن، استيعاب المعارضة، ولا وجود لمعارض سياسي قتل في هذا الوطن او أعدم، وهذه سياسة الهاشميين. ومع ذلك أنا شخصيا ضد الإساءة، خصوصا لرمز الوطن، وهو صمام أمان والرمز الوطني الأسمى.
مشكلة ارتفاع سقف الشعارات ليست مقلقة، وذلك لأنها لا تمثل غالبية الأردنيين، كما أن الحراكات، التي ترفع مثل هذه الشعارات، هي حراكات قليلة العدد والتأثير، والأهم هنا، هو طريقة التعامل معها، فالذي سيفند شعارات هذه الفئات هو مضي مسيرة الإصلاحات التي يقودها جلالة الملك، وهي في الأخير، التي ستنجي النظام والبلاد من أية حالة فوضى يراد لنا أن ندخل فيها.
وإن سألتني عن جلالة الملك وسعة صدره، فسأقول هنا: إن جلالته تحمل من قسوة الاتهامات ما لم يتحمله أحد، ولك أن تتخيل، ماذا سيكون موقف اي شخصية سياسية لو تم التهجم على شخصها، لكن جلالة الملك استوعب، وما يزال يستوعب، كل هذه الاتهامات الباطلة، فأنا شاهد على العصر، وأعرف مدى طهر ونقاء جلالته.
الملك بطبعه متسامح، وهو الذي كان يدعونا دوما لاستيعاب مطالب المواطنين وحسن التعامل معها، وهو الذي وجهني في الديوان الملكي (عندما تسلمته) للاتصال بكل من يتصل بمقسم الديوان الملكي العامر، والنظر بحاجة كل مواطن، من تعليم وصحة ومساعدات نقدية ومظلمات متنوعة، وهنا لا بد أن اتوقف عند خصوصيتنا الأردنية، فالأردنيون لا يطلبون من جلالة الملك صدقة، كما أنه لا يتعامل مع المواطنين من منطلق شفقة وإحسان، إنما في الحالة الأردنية، هناك أبناء الشعب يعتبرون الملك أبا لهم، وهي علاقة تتجسد بالتحام القائد مع شعبه والعكس، لذلك لا يوجد يد عليا ويد دنيا، هناك ملهوف ومستغيث، يتوسم بوالده المساعدة، والملك هنا أب للجميع، ولطالما قالها لنا، سواء في الديوان أو الحكومة، أن توجهوا للناس ومطالبهم، وإياكم والتقصير بواجبكم بحق أي مواطن، فنحن بلد يحترم أهله وسكانه.
ما أريد قوله، أن الملك ليس بعيدا عن شعبه، وهو قريب دوما، وقد عاصرته منذ العام 1993 عندما كان في القوات المسلحة، وكان مطلعا على مواجع ومشاكل الأردنيين، وعندما أصبح ملكا العام 1999 جئت معه رئيسا للتشريفات، وكان دوما متواصلا مع شعبه، ومطلعا على أدق التفاصيل.
في إحدى المرات، سألني جلالته عن حقيقة ما إذا كان الاردنيون يعانون كثيرا عند مراجعة الدوائر الحكومية، فأكدت له ذلك، وان الموظف يعتقد أنه امبراطور يريد التحكم بالناس، فما كان من جلالة الملك الا ان بدأ عملية التخفي وزيارة الدوائر الرسمية.
وبعد عدد من الزيارات التي قام بها جلالته متخفيا، قام بتأسيس جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز. كان دوما يتكلم معي صباح كل يوم، بعد استماعه إلى معاناة الناس عبر الاذاعات، فهو دائم التواصل، وورث كل العبر عن والده جلالة الملك الحسين العملاق، وتربى في كنف الهاشميين.
وعن الشعارات الأخيرة، التي ترمى بالشارع ولم تجد لها صدى من أي مواطن، فإن جلالته، قال لي بالحرف الواحد "سأتحمل الاساءة لي ولعائلتي، وسنمضي في الإصلاح".
لكني، كفيصل الفايز، لا أقبل بالإساءة لرمز البلاد، وأنا مع تطبيق القانون، وإن كنا اليوم في وضع لا نريد فيه تضخيم الأمور، ونريد أن نبقي على حالة التسامح، فإن بناء الدولة الحديثة يتطلب تطبيق القانون على كل مسيء ومخطئ ومفتر.
كلنا مع الحراك السلمي، لأنه جزء من العملية الديمقراطية، ومجموعات الضغط موجودة في كل دول العالم، لكن أنا مع الحراك السلمي، دون إساءات، حتى الاساءة لمؤسسات الوطن مرفوضة، وان يأتي شخص ما، في دائرة معينة، كدائرة أمنية، ويكون سيئا او لا يصلح لمنصبه، فهذا لا يعني ان المؤسسة برمتها سيئة لأبدأ بمهاجمة مؤسسات الوطن. هذه مؤسسات وطنية، ويجب صونها من كل سمعة سيئة.
أنا، وإن كنت مع الأمن الناعم، فإني أيضا مع تطبيق القانون على الجميع، وليس فقط حيال الحراك، بل على كل من يتجاوز القانون باتجاه الاساءة للدولة والنظام.
* هل نسير بالعملية الإصلاحية بانسيابية، أم أنك قلق على تقدمنا في هذا الملف؟
- أنا متفائل جدا، لأن خريطة طريق الاصلاحات وضعت على السكة ومسارها، وآخر محطاتها باتت معروفة للجميع، صحيح أننا نخشى التعثر لسبب أو لآخر، لكن الإرادة السياسية غدت اليوم واضحة، لا شك فيها، وهي لم تكن واضحة في يوم من الأيام كما هي واضحة اليوم.
فمع رغبة الملك وإرادته الإصلاحية، والمدعومة بقوى الشارع الضاغطة باتجاه الإصلاح، تكون جميع المكونات الأساسية قد تحققت، وبقي أن نركز على الأهداف، وبعد أن نتحلى بالصبر قليلا، ونوسع صدرنا للحوار وتفهم الآخر.
برأيي، فإنه بعد إقرار قانون الانتخاب، ستكون هناك حكومة جديدة، في تموز "يوليو" المقبل، وحل للبرلمان، على ان تجرى الانتخابات قبل نهاية العام، بمنتهى النزاهة والشفافية.
الفايز يرى أن قانون الانتخاب سيسير في قنواته الدستورية ويستبعد إعلان حالة الطوارئ لتمريره
* هل أنت مقتنع بالإشاعات، التي تروج لصفقة بين الحكومة والحركة الإسلامية على قانون الانتخاب؟
- لا اعتقد أن هناك تفاهمات، وأنا لست مع نظرية المؤامرة أصلا في هذا الموضوع. وبالنسبة لرئيس الحكومة عون الخصاونة فقد صرح بأنه لا يطمح بالترشح للانتخابات. وأنا رأيي الشخصي ان لا صفقات سرية او صفقات تحت الطاولة.
*هل تتوقع اختلافا في تركيبة مجلس النواب المقبل، بعد الانتخابات، في ظل نظام انتخابي يشمل القائمة النسبية؟
- كما قلت، لن يكون هناك تغيير على تركيبة المجلس الحالي، لكن في حال إقرار القائمة النسبية، فسيصل بعض الحزبيين إلى قبة البرلمان، لكن بنسب معقولة، وإن كنت تقصد الإسلاميين، فأنا احث الحركة الإسلامية على المشاركة، ليكون لهم دور في مستقبل الأردن، وعليهم، إن عادوا إلى تحت قبة البرلمان، أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة.
* هناك توقعات بأن لا يسير قانون الانتخاب بسلاسة وسهولة داخل مجلس النواب، ما يدفع ببعض الشخصيات السياسية للإشارة الى سيناريوهات أخرى، مثل إعلان حالة الطوارئ، وإصدار قانون انتخاب مؤقت، كيف ترى هذه الاحتمالات؟
- لا، لا أرى حالة استثنائية لإعلان حالة الطوارئ، وقانون الانتخاب سيسير عبر قنواته.
لكن، على فرض أننا وصلنا إلى طريق مسدود، فأمام جلالة الملك خيار، بأن يعلن حالة الطوارئ، ويجوز من خلالها إصدار أي قانون مؤقت، لكن نحن نريد أن نغلق باب القوانين المؤقتة، ونريد أن تحظى تشريعاتنا بميزة الاستقرار التشريعي.
جلالة الملك يمكن له أن يتدخل في حالة استعصاء الحكومة والنواب في إقرار قانون الانتخاب، بحيث يتدخل في اللحظة الحاسمة، من اجل إجراء الانتخابات نهاية العام، لكنني أستبعد هذا السيناريو، فالدورة الاستثنائية مثلا كفيلة بإنهاء قانون الانتخاب.
* لو أردنا رسم جدول زمني لمرور الإصلاحات، وصولا لإجراء الانتخابات المبكرة، كيف يمكن أن نرسم ملامح هذا المشروع، في ظل التطورات على الساحة المحلية؟
- اعتقد أن تأخر الحكومة في إرسال قانون الانتخاب شكل صدفة جيدة، وهنا قد اختلف مع المستعجلين والمتحمسين.
فتأخر إرسال القانون لمجلس النواب مع قرب انتهاء الدورة العادية الحالية، أمر يخدم الجدول الزمني للإصلاح. إن سألتني كيف فسأقول: على الحكومة في هذه الأثناء أن تنشغل بالتحضير والتجهيز للهيئة المستقلة للانتخابات، وهي الجهة الأكثر أهمية في المستقبل القريب، والأعين ستتوجه وستتركز عليها.
ثم علينا أن ننتبه الى أن التعديلات الدستورية الأخيرة أمهلتنا فقط 4 شهور لإجراء أية انتخابات بعد حل مجلس النواب القائم، وذلك ضمانا لعدم حدوث أي فراغ تشريعي، بمعنى أن أي مجلس يحل، ولا يأتي مجلس بعده بأربعة شهور، يعود المجلس السابق لممارسة عمله التشريعي والرقابي، وإذا أردنا إجراء الانتخابات نهاية العام الحالي فعلينا أن نحل المجلس القائم في شهر آب (اغسطس) المقبل.
إذاً، علينا أن نتحمل قليلا، لأن الأمور مرتبطة ببعضها، تحضير الهيئة المشرفة على الانتخابات، وتمكينها من القيام بدورها، إقرار قانون الانتخاب بصفة دائمة وسط توافق من قبل التيارات والقوى السياسية، حل مجلس النواب، تقديم الحكومة لاستقالتها، وتشكيل حكومة انتقالية، كل هذا علينا أن نقوم به على هدي من المدد الزمنية المتاحة، والتي سقفها نهاية العام الحالي.
* أحد الملفات الرئيسة، التي تدفع بالحراك في الشارع وتثير حنق الأردنيين، هو ملف محاربة الفساد أو مساءلة الفاسدين، وهناك تهمة للجهات المعنية بمحاربة الفساد بالانتقائية في فتح ملفاته، ما هو تقييمك لأداء الجهات المعنية في محاربة الفساد؟
- الفساد موجود في كل دول العالم حتى الديمقراطية منها، ورغم أنني مع الإجراءات القانونية في محاربة الفساد، لكنني اعتقد أنه تمت المبالغة بهذا الموضوع في الأردن. لست مع أن يتهم المسؤول، ويدان ويحاكم في الشارع وفي الإعلام.
الحل الأمثل هو أن يحاكم الفاسد بسرية في المحاكم، على أن يكون إعلان الأحكام على مرأى ومسمع الإعلام، لكي لا نقع بأزمة اغتيال الشخصية.
كذلك، لا ضير من أن يضاف إلى قانون إشهار الذمة المالية بند واحد يتضمن السؤال: من أين لك هذا، وبموجب قرار محكمة أردنية، ان يتم الكشف عن أموال أي مسؤول في أي بنك في العالم، ليصار إلى مساءلة المسؤول عن كل ما لديه، حينها يمكن فتح تحقيق مع من يثبت أنه مد يده على المال العام، أما الآن فالأمور أصبحت غير معقولة، وهي لم تحل الإشكالية القائمة.
* فيما يتعلق بأزمة إعادة إنتاج النخب السياسية، خصوصا ونحن نتحدث عن إصلاحات شاملة، ألا تعتقد أنه بات من الضروري إعادة إنتاج نخبة سياسية، تتحمل المسؤولية وقادرة على محاكاة الشارع بأفعال وليس بأقوال؟
- من جديد أرى أن الانتخابات المقبلة، وإجراءها على أسس من النزاهة والحيادية، ستمكننا من تقديم نخب سياسية جديدة، وإذا كانت هذه النخب ممثلة للشارع بحق، فسنكون أمام مشهد جديد، من استعادة استخراج النخب من رحم الشارع، وعندها سيكون المسؤول مضطرا لمحاكاة هذه النخب بطرق جديدة، ومن لم يتغير أو يتمكن من أداء عمله على المستوى السياسي، فالماكينة الإصلاحية ستلقي به خارجا.
اعتقد أنه ينتظرنا مشهد، سنستعيد فيه هيبة مؤسساتنا، وبالتالي وكنتيجة حتمية سنستعيد فيه ثقة شارعنا.
النائب القوي هو ورقة ضاغطة على الحكومة، لكن، لا نريد أن يضغط على الحكومة من أجل تحصيل خدمات شخصية. نريد منه أن يقدم خدمة تشريعية سياسية بالدرجة الأولى وخدمات لابناء منطقته، ومتى تمكن النائب من دوره الرقابي التشريعي، ستلجأ الحكومات فورا للحذر المسبق من رقابته عليها، وعندها فإننا سنكون أمام مشهد توازن وتكافؤ في السلطات، ما ينتج أداء أفضل للمؤسسات الرئيسية.
معايير تشكيل الحكومات في الفترة المقبلة يجب أن تراعي فكرة الحضور الجيد والممثل، لأن الحكومات هي الأخرى مصنع انتاج نخب سياسية، ويجب عليها ان تقدم نخبا، صاحبة رؤية وطنية ثاقبة، وان تحوز ثقة الشارع.
الحكومة الانتقالية، التي ستأتي بعد حل البرلمان وإقالة الحكومة وتشرف على الانتخابات، لا بد ان تحوز على ثقة الشعب أولا، وأن تضم وزراء يمثلون كل الأطياف السياسية، من قوميين ويساريين وإخوان مسلمين، إذا أرادوا، وأبناء العشائر، لتكون هناك ثقة بين الحكومة والشعب.
اما المرحلة التي تلي الانتخابات، فستكون هناك حكومة برلمانية، وهي ستنقل الاردن إلى جو من الاستقرار، وعندها يجب أن نتفرغ لمشكلتنا الأخرى، وهي الاقتصادية، حيث لا بد من توفير فرص عمل للشباب، وإنشاء مشاريع تنموية في مناطق الأقل حظا، وإذا تم العمل على الشقين الاقتصادي والسياسي، فسنصل حتما الى أهداف الإصلاح الشامل وأجواء الاستقرار التام.
* إذا قلنا أن أغلبية مجلس النواب المقبل ستكون معارضة، فكيف يمكن للنظام ان يتعامل مع هذا الشكل الجديد من الحياة السياسية، وان يشتبك مع البرلمان ومع الشارع لإنتاج حالة أردنية قائمة على تعظيم المنجزات؟
- اعتقد أن الأهم من التفكير بشكل الحياة السياسية المقبلة، أن نجري انتخابات حرة ونزيهة، فإن كانت كذلك، ووصل نواب إلى البرلمان بطريقة صحيحة فأعتقد أن كل مشاكلنا ستحل.
عندما تشكل حكومة برلمانية، وبغض النظر عمن ستضم من أعيان ونواب وغيرهم من فنيين، وتحظى بثقة مجلس نواب يثق به الشارع، عندها سنكون مشينا على الطريق الصحيح. وأجزم أن جلالة الملك سيكون سعيدا بهذا التوجه، ومرتاحا له، لأنه يعبر بالمحصلة عن رؤية جلالته.
* ثمة حالة فوبيا وتخوفات على مستقبل الإصلاح، مع المعارضة الإسلامية، في حال مشاركتها بالانتخابات وحصد أكثرية أو أغلبية، وأن يسيطروا على النخبة السياسية؟
- لست مع التخويف من الإسلاميين، ولا أجد أنهم ضد الوطن، حتى أخاف منهم، فهم قوة سياسية فاعلة، وجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والفعل السياسي.
لذلك، لا أجد مبررا للتخويف من أية قوى سياسية، تعمل على السطح وبالعلن، ثم أن الديمقراطية، بمعناها المتجرد، تسمح للمواطن بالتعددية، ومن لا ترضيه أغلبية اليوم، يستطيع تغييرها عبر صناديق الاقتراع بالمرات المقبلة.
المهم، أن لا نبقى مسكونين بالهواجس ضد هذا الطرف أو الآخر، وإن كنت اتمنى أن نرى في المجلس المقبل، حضورا للأحزاب القومية واليسارية.
فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، ومن باب التحليل، وليس من باب التوقع أو التكهن أو حتى الرغبة الذاتية، فلا أعتقد انه ستكون لهم نسبة كبيرة، أوغالبية في البرلمان القادم، لأن الغالبية ستنتخب على أسس عشائرية، لكن فلنبدأ بهذه التجربة، تجربة الحكومة البرلمانية، كل تجربة نخوضها هي التي تحدد المسارات اللاحقة، ولنر ماذا سينتج عن الانتخابات المقبلة.
وربما يكلف جلالة الملك شخصية من خارج خارج مجلس النواب بتشكيل الحكومة البرلمانية، وقد يضم أفرادها نوابا واعيانا. ثم نستطيع بعدها أن نقيم.
وهذا الأمر ليس جديدا، لأنه في زمن الراحل الملك الحسين رحمه الله، كان هناك حكومات برلمانية، لكن الظروف اليوم اختلفت.
*هناك من يقول أن مجلس النواب الحالي يدفع باتجاه المماطلة والتسويف، وذلك من أجل تأجيل موعد الانتخابات المقبلة؟
- بالنسبة لي؛ وما اعرفه جيدا، أن جلالة الملك قالها بوضوح، وفي أكثر من مناسبة، انه لن يسمح بحدوث تباطؤ، بل وأكد مرارا، حتى أمام الرأي العام الغربي، أن الانتخابات ستجرى قبل نهاية العام.
قد لا يكون الموعد مقدسا، أي أن الانتخابات قد لا تجرى قبل نهاية العام الحالي، وقد تجرى بدايات العام المقبل، لكن الأهم هو أن لا نتجاوز عن هذا الموعد، فالأمر مرتبط بصورتنا الديمقراطية، ومسيرتنا الإصلاحية التي يتقدمها جلالة الملك.
* ثمة حالة ضعف في مؤسسات الدولة، وضعف في شاغل الوظيفة العامة، وقد تم تشويه الوظيفة العامة وتهميشها، كيف يمكن إعادة بناء كل ذلك؟
- المسؤول يجتهد، يخطئ ويصيب. مثلا، عندما كنت رئيس حكومة، كان عندي أخطاء، ويمكن ان أكون اتخذت قرارا قبل عشر سنوات، وكان صحيحا وقتها، واليوم غير صائب، والمسؤول لا يجب أن يكون مرعوبا. كما لا يجوز أن نرهب المسؤول بأن كل قرار يتخذ يحمل شبهة فساد، ففرضا اتخذت قرارات خاطئة، فليس بالضرورة ان تعتبر فسادا إداريا.
اليوم، المسؤولون مرعوبون، وهذا أكبر خطأ، لأنهم يخشون المحاسبة بعد سنوات. يجب ان يتخذ المسؤول قراره بلا تخوف. وطبعا الإعلام يلعب دورا كبيرا اليوم، في كل ما يجري على الساحة المحلية.
لكن، النقطة الأهم في إعادة الاعتبار لكل مؤسسات الدولة انه يجب أن يأتي عبر تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، ولا يجب أن يكون أحد فوق القانون، وعندها ستعود هيبة الدولة وبثقة الناس بالدولة.
أما عن آلية التعامل مع المحتج في الشارع، فعلى المسؤولين أن يشتبكوا مع الناس، وعليهم أن يتحدثوا إليهم، فإما أن يكون المسؤول مخطئا ويعترف بخطئه، أو أن يقنع الشارع بحججه وبراهينه.
* وأنت تتحدث عن تأثير الإعلام على الساحة المحلية، إلى أي مدى يمكن للإعلام أن يكون إيجابيا وفاعلا ومؤثرا بالرأي العام؟
- لنعترف أولا، أننا نعيش أجواء حرية إعلامية، ولو نسبيا، لكن لنعترف أيضا أن نطاق الإعلام المسؤول محدود جدا، لذلك، إذا ما قلنا بتلازم مسارات الإصلاح، فيجب أن لا ننسى القطاع الإعلامي، وضرورة الإصلاح فيه، سواء من الدولة عبر التشريعات، او من الجسم الصحفي والإعلامي نفسه، عبر تنظيم المسؤولية فيه، وإلحاقها بنقابة الصحفيين، لتكون هي الجهة التي تحاسب من يتجاوز.
يجب أن نجلس، ونتحدث بهدوء في موضوع الإصلاح الإعلامي، فقد تطور الجسم الصحفي، وبات يضم كافة أنماط الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والإلكتروني.
إصلاح الإعلام يبدأ بالدعم لهذا القطاع، ثم يجب أن تتدخل نقابة الصحفيين للتمييز بين الغث والسمين في الإعلام، على أرضية من المهنية، ثم ليتبع جميع الإعلام لمحاسبة النقابة، والتي يجب أن تتوسع صلاحيات سلطتها، على كل من يخالف أو يتجاوز على القانون.
* ما يزال جدل الهوية يشكل هاجسا للملف الإصلاحي، وتحقيق معدلات مشاركة حقيقية، لأي مدى يمكن الاشتباك مع هذا الملف على أرضية صلبة، وأفكار واضحة تحسم جدل الهوية؟
- لا اتفق مع أحد يحاول تغيير شكل وملامح المجتمع الأردني، فالوحدة الوطنية هي السمة التاريخية للمملكة، وعبر كل الأحداث التي مرت، ما كان للأردن أن يقوى على التحديات دون وحدة آبائه الوطنية، والتي ميزت أمننا واستقرارنا على مر العقود.
أين يمكن أن تجد صورة مجتمعية هادئة ومستقرة مثل الأردن؟ فتجد أن المخيم على حدود مضارب العشائر، وتجد أن النسب والمصاهرة دمجت المواطنين بصورة ولا أجمل.
أنا مع الوحدة الوطنية، وكل من يحمل رقما وطنيا هو أردني، ولا داعي للمزاودة بهذا الأمر، وإن كان هناك من يدعي غير ذلك، فإنه كمن "يغمس خارج الصحن"، وفي قلبه كلام لا يخدم الوطن.
لكن، علينا أن نعترف أن الحقوق المدنية للبعض قد تم المساس بها، نتيجة خطأ غير مقصود وليس منهجيا، نتيجة سوء تقدير لموظفين صغار، واعتقد أن المشكلة تم التعامل معها بطريقة مثلى، عندما أسندت مهمة سحب الأرقام الوطنية أو منحها، إلى مجلس الوزراء.
الكل على الأرض الاردنية أردنيون، ولا يجوز التعامل معهم على أساس آخر، لأن جلالة الملك، وهو القدوة لنا جميعا، لا يعرف التمييز بين الناس، فكيف لموظف أن يقوم بذلك؟! وكل من يحمل الرقم الوطني له حقوق كاملة وعليه واجبات كاملة.
أما إن سألتني عن الحقوق السياسية، فهناك حقيقة ثابتة يجب التعامل معها، وهي وجود احتلال على الأرض الفلسطينية. إذا منحت الحق السياسي المطلق والكامل للأردنيين من أصل فلسطيني، والذين يحملون الرقم الوطني الفلسطيني، فأنا كمن يقر بشرعية الاحتلال والوطن البديل على الأرض الأردنية، لذلك مسألة التمثيل في البرلمان يجب أن تكون مدروسة بعناية، وذلك حتى لا أقدم الذريعة لإسرائيل لأن تقول أن الأردن هي فلسطين، أو أن الفلسطينيين سكنوا الوطن البديل لهم.
بهذا الشأن، أنا مع التمثيل النسبي، وذلك ليس من أجل حرمان مواطن من حقه السياسي، ولكن حفاظا على حقه التاريخي في أرضه فلسطين، ودعونا نتدرج في التمثيل النسبي، لكن، وعيننا على الأرض التي سلبت منا، وعندما تنتهي أزمتنا التاريخية مع الاحتلال، لكل حادث حديث.
وأكرر انا مع كامل الحقوق السياسية، لكن بتدرج، وليس خطأ إضافة أردنيين من أصول فلسطينية إلى البرلمان، وأقولها بكل صراحة، لكن بتدرج، أما الحقوق المدنية فيجب أن تصان، وأن لا يحاسب احد على أصله، من الكرك او الضفة الغربية او غيرها.
* لكن هناك تيار سياسي يرد على هذه الجزئية بأن الشرق أردنيين أخذوا القطاع العام، والغرب أردنيين أخذوا القطاع الخاص، وأي تلاعب بهذه المعادلة سيظلم أحد الطرفين؟
- لا أعتقد أن ذلك صحيح، فقد يكون الاردنيون من أصول فلسطينية يحبون العمل في القطاع الخاص، لكن هذا لا يعني أن لا تفتح لهم أبواب العمل في القطاع الحكومي، البعض يأخذ من هذه الأقاويل منبرا لبث سموم وأفكار لا تنسجم وطبيعة مجتمعنا الأردني، المنصهر بوحدة وطنية لا مثيل لها.
المشكلة، التي لا حل لها لغاية الآن، هي التمثيل السياسي، لأنها مرتبطة بحقوق تاريخية في فلسطين يجب أن لا ننساها، ولا نتجاوز عنها.
ادعو وبكل صراحة ووضوح لنقاش هذا الموضوع على الطاولة، وبمنتهى الشفافية. يجب أن لا يظل النقاش على هذا الأمر تحت الطاولة، أو في الغرف المغلقة، ويجب أن نحد من الخطابات المتعددة، وننسجم بخطاب واحد، وهو أن كل من على الأرض الأردنية، ويحمل الرقم الوطني، هو أردني له كامل الحقوق، وعليه كافة الواجبات، وأنا، كشرق أردني، مقتنع بوجوب وجود الحقوق السياسية لكل المواطنين، لكن دون منح ذريعة لإسرائيل بشأن الوطن البديل، ولا بد من أن يبحث هذا الموضوع والنقاش فيه.
* فيما يتعلق بالأرقام الوطنية وسحبها، ألا يجب ان توضع معايير واضحة ومحددة لذلك، حتى يضمن الأردني سلمه واستقراره؟
- دعونا نعترف أن هناك أخطاء وقعت، وتجاوزات ارتكبت، ما سبب بعض الظلم على أعداد محددة.
نحن نحتكم في هذا الشأن إلى تعليمات فك الارتباط، وهذه التعليمات يجب التعامل معها بروح نصوصها، وليس بحرفية معانيها، لكن بالضرورة هناك حالات إنسانية من الواجب أخذ أوضاعها بعين الاعتبار .
اعتقد أن الموضوع انتهى عند منح صلاحيات السحب والمنح للأرقام الوطنية لمجلس الوزراء، وبحدود علمي فقد انتهى تعسف أي موظف، في أن يتحكم بمصير الناس، وهي خطوة مهمة في هذا الملف.
* تاريخيا كان هناك اندماج تام في القطاعين العام والخاص حتى السبعينيات، ونسبة الأردنيين من أصول فلسطينية، وصلت إلى 55 % في الجيش، لكن بعد ظرف أيلول أصبح هناك تشوه في المؤسسية بين القطاعين العام والخاص، كيف يمكن العودة لدمج المكونين الأردني من أصل فلسطيني وأردني داخل مؤسسات الدولة؟
- لا اتفق ولا اعترف بالطرح الذي يقول أن هناك حقوقا منقوصة، لأن أعلى مراتب الدولة الأردنية وصل إليها أردنيون من أصول فلسطينية، لكن القضية يجب ان تبحث دون ان نتغنى بالوحدة الوطنية، لا يجب ان يكون هناك تمييز، لكنني مع التدرج، ولا نقاش في مسألة المواطنة، وهذا منصوص عليه في الدستور ، كانت المشكلة دائما تخبأ تحت السجادة، لكن في عصرنا لا بد من مناقشتها، ما دام هناك إجماع على العرش، لأنه هو صمام أمان، والملك هو رمزنا ومرجعيتنا لكل أطياف الشعب.
* أمام كل هذه التحديات الداخلية، نجد أنفسنا في المملكة نعاني من اضطراب الإقليم، وعدم استقراره، الجبهة الجديدة سورية، تنذر بعواقب وخيمة علينا وعلى الإقليم، فبعد الأخطار السياسية، ثمة رعب اقتصادي من الأزمة السورية، كيف تقرأ المشهد؟
- الوضع الإقليمي مقلق جدا، وسورية وضعها مختلف عن مصر أو تونس، وهي رقم صعب بالمنطقة، فإذا سقط النظام هناك سيؤدي ذلك إلى حرب أهلية، قد تمتد لمناطق أخرى. أنا مع الحل السياسي، والآن لدى كوفي أنان خطة، ونأمل أن تنجح مساعيه، لأننا نرى في استقرار سورية استقرارا للأردن، والإصلاح قادم في سورية، لكن يجب منح بعض الوقت، ولا يمكن العودة للوراء ولا يمكن لأي نظام عربي أن لا يقبل إلا بالإصلاح.
لكن كيف سيأتي الإصلاح هذا هو السؤال. أنا مع الحل السياسي في سورية، حتى الحديث عن تسليح المعارضة فإلى ماذا سيؤدي؟ هذا سيدفع باتجاه حرب أهلية، ويدفع لتقسيم سورية، فمصلحة من وراء ذلك؟ اعتقد أنه سيخدم اسرائيل، ويؤثر بشكل كبير على مستقبل حل القضية الفلسطينية، فأنا لا انظر إلى افتعال أية أزمة وحرب في المنطقة إلا من منظار آثارها على القضية الفلسطينية.
برأيي أن سيناريو الحرب الأهلية وتقسيم سورية سيسبب أزمة أمنية كبيرة، قد تمتد آثارها للأردن، فمثلا، هل نستطيع تحمل مليون لاجئ سوري؟ السيناريوهات في سورية كلها مقلقة للأردن، لكن الموقف الذي نتمنى أن يكون هو وقف سفك الدماء، والوصول لحل سياسي للأزمة، مهما كان شكل الحل.
* ماذا عن إيران وطرق التعامل معها، وكيف يمكن أن يكون هناك استقرار، في ظل المناوشات الإعلامية بين الغرب وايران وإسرائيل، مع سباق واضح في التسلح النووي؟
- أي افتعال لأي حرب جديدة في المنطقة، ليس من مصلحة أحد، اسرائيل التي تدعو إلى ضرب إيران. اوروبا تعلم جيدا أن الإقدام على مثل هذه الخطوة، سيؤدي لرفع أسعار النفط، ليصل ما بين 250 إلى300 دولار، وهو ليس لمصلحة الاقتصاد الاوربي، ولا لمصلحة اقتصاد جنوب شرق آسيا، وبالتالي سينعكس على الاقتصاد الاميركي والعالمي. نسبة النمو في الاقتصاد الاوروبي حاليا هي صفر أو نصف او واحد بالمائة، وهناك مشاكل تتعلق باليورو ومشاكل اليونان وفرنسا وإيطاليا واسبانيا، فهل الاقتصاد الاوروبي سيتحمل ذلك.
أما (إسرائيل) فعندها ستفتح على نفسها جبهة جديدة وواضحة، وقد نضطر عند الحرب إلى إغلاق كل ملفاتنا السياسية ومستقبل التسوية السلمية في الصراع العربي الإسرائيلي، وننتظر إلى أن تضع الحرب أوزارها، لكن موعد انتهاء الحرب، سيكون بعد خراب مالطا. الغد[/b]
- angelالمدير العام
- عدد المساهمات : 8871
نقاط : 14094
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
الموقع : عمان
المزاج : إذا ضبطت نفسك متلبساً بالغيرة "على " إنسان ما فتفقد أحاسيسك جيداً فقد تكون في حالة " حب " وأنت "لا تعلم"..
رد: الفايز : تجاوزات وقعت في ملف سحب الأرقام الوطنية ولا أوافق على سحب صلاحيات الملك
الإثنين أبريل 09, 2012 6:15 pm
الفايز : تجاوزات وقعت في ملف سحب الأرقام الوطنية ولا أوافق على سحب صلاحيات الملك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى