القصور الملكية قصر رغدان

[نورنائبة المدير العام]

القصور الملكية
قصر رغدان


وصل موكب سمو الأمير عبدالله بن الحسين إلى محطة سكة حديد عمان في الثاني من آذار/مارس من عام 1921م، ليشرع من حينها في تأسيس الدولة الأردنية وبناء المؤسسات وتقوية الجيش وتحقيق الأهداف الاجتماعية والتربوية والاقتصادية في منطقة عانت الكثير خلال الحقب الماضية.
واتخذ سمو الأمير داراً متواضعة من البناء العثماني مقابل المدرج الروماني، واتخذ من رابية ماركا مقراً للاستقبال والاحتفالات، ولكن بعد نجاح سموه في مفاوضاته مع الإنجليز التي أدت إلى تكوين الدولة الأردنية واعتراف بريطانيا بحكومة مســتقلة في شــرق الأردن، بادر سموه إلى اختيار المرتفع الذي يُطل على وسط المدينة ليكون مقراً لقصر الحكم، وذلك عام 1924م.
واختيرت نهاية الهضبة الممتدة والمنفتحة نحو الغرب وهي امتداد لجبل الحسين حاليا، والذي تسمى "بالطهطور" ومعناها "أكوام الحجارة الكثيرة والمتراكمة". وهكذا كان حال جبل القلعة الحالي الذي هو جزء من جبل الطهطور قبل إجراءات الترميم وإعادة البناء لآثار جبل القلعة.



واختار الأمير عبدالله اسم رغدان لهذا القصر تيمنا بالرغد والهناء ومبعثا للأمل والتفاؤل، وأراد أن ينسجم تصميمه مع عراقة تاريخ عمان، و نمط عمارة تتسم بالبساطة ورونق فيه مسحة من الجمال المستوحى من فنون العمارة الإسلامية في الزخرفة والتشكيل والنقش.




وأبدع المعماريون من دمشق والقدس ونابلس في بناء القصر، وأفرغوا خلاصة فنونهم في إخراج البناء الذي عكست واجهته الأمامية طراز البناء الشرقي المزين بالزنابق ورؤوس الرماح والشبابيك المقوسة والمقرنصات والأعمدة المنحوتة والمدخل البهي.

واستغرق بناء قصر رغدان ثلاث سنوات، من عام 1924م وحتى عام 1927م، ولعل السند في تحديد هذا التاريخ هو استقبال سمو الأمير عبدالله للشعراء فيه، وحدث أن الشاعر العراقي عبدالمحسن الكاظمي أورد في ديوانه أنه زار قصر رغدان عام 1927م، وأنشد فيه يقول:

هل مثل رغدان في الورى علمُ
تأوي إليه الــدنيـا وتلتجىء
أولــه للعلا وآخره
منتهى للندى ومبتـدأ
لو جرؤ المالكون أن يصلوا
إلى أدانــي عٌلاه ما جرؤا
هيهــات لا يرتقي البغاة إلى
ما يرتقي في العلا وقد خسئوا





وقصر رغدان هو البداية لمجمع العمارة الهاشمية التي تقف بزهو امتدادا لاكثر من حضارة شهدتها عمان من عهد عين غزال التي هي من اوائل المستوطنات البشرية في العالم الى تاريخ العمارة الرومانية والتي إن وقفنا في وسط الساحة الهاشمية وأجلْنا النظر نحو الغرب والأعلى، نرى امتداد سور عمان بحجارته الضخمة وأطراف القلعة الكبيرة تتربع فوق جبل الطهطور(الحسين حاليا) ولتمتد نحو الغرب لتلتقي مع الأعمدة الباسقة التي هي بقايا معبد والى جوارها معاصر زيتون وعنب وامتداد لشوارع مبلطة كانت أسواقا تجارية.


والى جانب الساحة الهاشمية، نرى في جوف جبل الجوفة المدرج الروماني الذي يتسع لنحو سبعة آلاف مشاهد، لا زال سليماً منذ بنائه في القرن الأول الميلادي، وأمام المدرج الكبير يوجد المدرج الروماني الصغير شبه البيضاوي.

ومع امتداد الساحة الهاشمية وسط المدينة نلاحظ وجود سبيل الحوريات وبقايا آثار الحمام الروماني، وكنيسة بيزنطية والمسجد الحسيني الكبير، وهو بناء أموي في أصله.

قصر رغدان الذي يطل على عمان، قلبها النابض، جاءت حجارته من أرض معان ملفى الأمير الأول "وأبدع النقاشون في تشكيل الحجارة" واعتمد البناؤون اسلوب السقوف المرتفعة في البناء والابواب الواسعة والعالية.

وتعرض القصر لزلزال عمان في 11 تموز/يوليو سنة 1927م في فترة اكتمال بنائه، لكنه بقي سليماً، وفي عام1982 م تعرض لحريق أصاب سقف قاعة العرش فأتى عليها كلها، وأعيد ترميم القاعة والسقف بطريقة أعادت المكان إلى شكله الأصلي.


© أرشيف الديوان الملكي الهاشمي
كان جلالة الملك عبدالله الأول يستقبل كبار ضيوفه او جموع المهنئين في ساحة قصر رغدان الأمامية التي تجري فيها المراسم الخاصة، ويطيب لجلالته ان يجلس بين اشجاره مع رجال الشعر والادب احيانا، وأيضا يشاهد الخيل التي تُهدى إليه خاصة لولع جلالته بالخيول الأصيلة وخبرته باوصافها وانسابها حتى أنه قد وضع كتاباً خاصاً بها سمّاه "جواب السائل عن الخيول الأصايل"... والى يمين الساحة ويسارها نرى مدفعين قديمين من صنع بريطاني استخدما في الحرب العالمية الأولى أهديا إلى جلالته.وتتزين مقدمة الساحة بحوض مياه على استطالة الساحة يرتفع على جنباتها سوراي الاعلام .وتزهو الساحة بوابتها الرئيسية الذي يرتفع باسنة الرماح الذهبية وبتوسط التاج الهاشمي له.

يطل مدخل القصر الأمامي على الساحة الرئيسية، الذي ترتفع درجاته لتنتهي إلى مصطبة ذات سقف مرتفع أمام الباب الخشبي العتيق، ويرتفع فوق الباب رسمان لشعار الدولة الرسمي الذي تم إقراره بموجب قرار المجلس التنفيذي رقم (558) تاريخ 25 آب/أغسطس 1934م، هذا الشعار الذي تعود فكرة تصميمه إلى عام 1921م حين أراد الملك المؤسس أن يكون للدولة شعاراً رسميا.

ندخل من الباب الرئيسي إلى بهو مستطيل، ومنه إلى حجرات القصر. فإلى يمين الداخـل، الحجرة الصغيرة التي بها ترتفع "دكة" للصلاة مصنوعة من خشب الزان وأرضيتها من خشب الباركيه، وفي هذا المكان كان جلالة الملك عبدالله الاول يقضي أوقاتا للعبادة والتهجد، ومن نفس الحجرة الصغيرة يمكننا الدخول إلى قاعة مستطيلة ذات ستائر جميلة التصميم وزخرفة علوية بديعة وفيها طاولة مستديرة ذات مقاعد خشبية، وهي تستخدم للاجتماعات واللقاءات.

ومن البهو، وعن يسار الداخل ندخل إلى مكتب جلالة الملك المؤسس عبدالله وغرفة الاستقبال وقد كان لجلالته فيها مكتبة تم نقلها الى مكان آخر.

ونشاهد القاعة الواسعة إلى جانب مكتب جلالته التي تتزين بنقوش جميلة في السقف كتبت عليه أبيات من الشعر تقول:

ربعٌ تجلى به حسنٌ وإحسان
مذ صار بابن رسول الله يزدان
سُميَّ برغدان من عيشٍ به رغدٍ
ما ناله في قديم العهد غُمدان
فيه السيادةُ مرفوعٌ سُرادقها
وللسعادة في معناه أفنان
فإن تسابقه للعَليا ربوع ندى
حتى تفوق فأرِخْ فاز رغــدان
وحين نتقدم الى الأمام في البهو الرئيسي نصعد درجا يتفرع يمينا ويسارا، لتواجهنا واجهة زجاجية تغطي القوس الأوسط للبناء بكامله، وهي من نوع بديع مرسوم وملون، ونترك اللوحة الزجاجية خلفنا لنصعد قبالة قاعة العرش.




قاعة العرش ذات المدخل الخشبي والزجاجي المزين بإطار من الرخام المصقول والمرمر الأبيض، لندخل إلى ساحة واسعة مرتفعة يتصدرها إيوان بيضاوي و خلفيته شبابيك زجاجية ويلف الايوان بالكامل ستائر مخملية و يرتفع على مصطبة من الرخام الابيض في منتصفها كرسي العرش الهاشمي، وبجانبه منضدة عليها زاوية خشبية من فنون الأرابيسك عليها المصحف الشريف، وعن اليمين علم الدولة الأردنية والى اليسار العلم الملكي (علم جلالة الملك المعظم).


© أرشيف الديوان الملكي الهاشمي
قاعة العرش تتسع وتبدو هادئة تضفي جوا من الوقار وأنت تتأمل زخارفها الجميلة، والمقرنصات في زواياها العلوية، وزخرفة السقف التي تتداخل الرسومات فيها لتشكل لوحة من الفن العربي الأصيل والى يسار الداخل إلى قاعة العرش بوابة واسعة ومرتفعة هي مدخل إلى استراحة جلالة الملك، وتضم بعض الاهداءات إلى أصحاب الجلالة الملوك الهاشميين، منها مجسم لقبة الصخرة المشرفة بمناسبة انتهاء مرحلة الإعمار الهاشمي الثالث عام 1994م.

تتعدد قاعات القصر في الطابق العلوي، والدخول إليها عن يمين باب العرش أو يساره، وجميعها قاعات للاجتماعات ومكاتب خاصة للتفرغ في النظر في شؤون الدولة، وقاعات للطعام والضيافة، وقاعات للاستقبال. ونشاهد زوايا زجاجية وخزائن تخرج من الجدران تضم سيوفاً وقطعاً بديعة قد أهديت للملوك الهاشميين.

ولكننا نقف عند تاريخ آخر من تاريخ آل هاشم يشهد على التضحية والفداء والإخلاص للقضايا العربية، نقف عند الغرفة الخاصة بالشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، الذي بعد أن قضى ست سنوات في المنفى من عام 1925م وحتى عام 1930م، عاد ليقيم في قصر رغدان، وقد أنهكه المرض والتعب إلى أن توفاه الله يوم الثالث من حزيران من عام 1931م، ولا زال المقعدان الخشبيان اللذان كانا جلالته يستخدمهما في محلهما، ولا زالت غرفته تفوح بعبق التاريخ والمجد والوفاء.

قصر رغدان الذي لم تزد تكلفة بنائه عن 1600 جنيه فلسطيني هو صورة من صور تاريخ الأردن المشرفة ورمز من المحبة والوفاء والعلاقة الوثيقة بين مؤسسة العرش والشعب الذي ينظر إلى الأمل والمستقبل المشرف بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه.

[angelالمدير العام]

القصور الملكية قصر رغدان القصور الملكية قصر رغدان القصور الملكية قصر رغدان القصور الملكية قصر رغدان القصور الملكية قصر رغدان