- ابو ادممشرف عام
- عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 45
الموقع : google
المزاج : مصدهج
تاريخ الدوله العباسية 1
الإثنين نوفمبر 21, 2011 3:09 am
كان بنو أمية يجلون آل البيت، ولكن تجاوزات بعض الولاة أساءت في بعض الأحيان إليهم.
الحُميمةكان الوليد بن عبد الملك الخليفة يومئذ قد أقطع الحُميمة (بلدة في الأردن) لعلي بن عبد الله بن عباس فأقام واستقر بها.
بعد زيارة قام بها عبد الله بن محمد (أبو هاشم) إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، الذي رحب به وأكرمه، شعر أبو هاشم بالمرض وأحس بدنو أجله، وأشاع الناس أن سليمان قد سمّه فعرج أبو هاشم على (الحميمة) ونقل ذلك إلى ابن عمه محمد بن على بن عبد الله بن عباس، وطلب منه أن يقتص من بني أمية وذلك عام 99هـ.
لقي كلام أبو هاشم لابن عمه محمد موقعًا من نفسه، وكان رجلاً طموحًا وكان له أكثر من عشرين أخًا يدعمونه بالإضافة إلى أبنائه، فحمل محمد بن على الفكرة وهى: إزالة ملك بني أمية، وبدأ يعمل على تنفيذها.
اختيار المكان
اختار الكوفة وخراسان نقطتي انطلاق للدعوة وهو اختيار دقيق لأسباب منها:
1- أكثر الناقمين على بني أمية من الكوفة.
2- أن خراسان تقع في مشرق الدولة وإذا اضطرت الظروف يمكن أن يفر إلى بلاد الترك المجاورة.
3 - وفي خراسان صراعات عصبية بين العرب (القيسية واليمانية) يمكن الاستفادة من هذا الصراع لصالحه.
4 – وخراسان دولة حديثة عهد بالإسلام، فيمكن التأثير في نفوس أهلها من منطلق العاطفة والحب لآل البيت.
5 – اختار الكوفة مركزًا للدعوة ويقيم فيها ما يسمى (بكبير الدعاة أو داعي الدعاة)، وتكون خراسان هي مجال انتشار الدعوة.
تنظيم أمور الدعوة
عمد كذلك إلى السرية التامة وكان حريصًا عليها، تنتقل المعلومات من خراسان إلى الكوفة إلى الحميمة، ويتحرك الدعاة على شكل تجار أو حجاج.
أول كبير للدعاة في خراسان هو أبو عكرمة السراج (أبو محمد الصادق) الذي اختار اثني عشر نقيبًا كلهم من قبائل عربية، وهذا يرد على الادعاء بأن الدولة العباسية قامت على أكتاف الفرس. فكان كبير الدعاة يختار اثني عشر نقيبًا يأتمرون بأمره ولا يعرفون الإمام، ولكل نقيب سبعون عاملاً.
بدأت الدعوة تؤتي ثمارها في خراسان، وبدأ يظهر رجالها، مما جعل والي خراسان يومئذ وهو أسد بن عبد الله القسري يقبض على أبي عكرمة السراج، وعدد من أصحابه فيقتلهم سنة 107هـ.
وحتى سنة 118هـ استطاع أسد بن عبد الله (كان قد عزل ثم أعيد) بخبرته أن يكشف بعض قادة التنظيم العباسي واشتد عليهم فلجأت الدعوة العباسية إلى السرية التامة من جديد.
ولأن رجال الدعوة قد عرفوا هناك كان لابد من تغيير، فتم اختيار عمار بن يزيد (خداش) داعية جديدًا في خراسان، ولكن لم يكن اختيارًا موفقًا إذ أظهر بعد ذلك الكفر وانكشف أمره، وقتل على يد أسد بن عبد الله أيضًا سنة 118هـ.
شوهت أفعال خداش صورة الدعوة العباسية في أذهان الناس، ولم يثقوا في الداعية الجديد، إضافةً إلى شدة أسد بن عبد الله عليهم.
وحتى سنة 122هـ كانت الدعوة تسير ببطء فلقد ظهر عائق جديد وهو ثورة زيد بن على بن زين العابدين بالكوفة.. وكان لا بُدَّ أثناءها وبعدها من الهدوء ليعود الجو إلى حالته الطبيعية.
وفي سنة 125هـ توفي محمد بن علي وأوصى من بعده لابنه إبراهيم؛ ليقوم بمتابعة أمور الدعوة.
وجاء الفرج في سنة 125هـ بعد وفاة هشام بن عبد الملك وانشغال الدولة الأموية بصراعاتها الداخلية.. بالإضافة إلى أن الدعوة العباسية بتوجيه من إمامها قررت استغلال الصراع القبلي القائم بخراسان؛ وذلك لأن والي خراسان يومئذ كان (نصر بن سيار) مضريًّا وأكثرية العرب هناك من اليمانية فكرهوه، فاتجهت الدعوة العباسية إلى اليمانية. وأثّر هذا الصراع القبلي على أحوال الناس ومصالحهم بكافة فصائلهم (اليمانيون، المضريون، أهل العلم، الفرس، الترك)، كل هذه الأحداث ساعدت الدعوة العباسية على الانتشاط من جديد.
ظهور أبي مسلم الخراساني
وفي سنة 128هـ ظهرت شخصية قوية هو أبو مسلم الخراساني (فارسي الأصل) أحد دعاة بني العباس منذ سنوات، لمح فيه إبراهيم بن محمد الذكاء والكفاءة، فقرر أن يرسله إلى خراسان حيث أمر الدعوة في نمو مطرد.
وفي سنة 129هـ جاءت إلى أبي مسلم رسالة من الإمام تأمره بالظهور بالدعوة، ففعل، ووالي خراسان يومها مشغول بصراعات الدولة الداخلية، ولما كان يوم عيد الفطر صلى أبو مسلم بالناس.
مرحلة الاشتباك المسلح
وقع أول اشتباك بين قوة بني أمية وقوة بني العباس في خراسان، وانتصر فيها أبو مسلم على قوات نصر بن سيار، وكثر أتباع أبي مسلم فقد احتال حيلاً لطيفة في السيطرة على الأمر فكان يرسل إلى اليمانية يستميلهم، ويكتب إلى المضرية يستميلهم بقوله: (إن الإمام أوصاني بك خيرًا، ولست أعدو رأيه فيك).
توترت الأحداث، وبعث مروان بن محمد في طلب إبراهيم بن محمد الإمام المقيم بالحميمة، فقيدوه وأرسلوه إلى الخليفة بدمشق فسجن.
وفي سنة 131هـ ازداد تمكن أبي مسلم من الأمر، وفر نصر بن سيار وتوفي، فدانت خراسان كلها لأبي مسلم.
وفي سنة 132هـ انتصرت قوات أبي مسلم على قوات العراق ثم توجه إلى الكوفة والتي كان قد خرج بها محمد بن خالد بن عبد الله القسري داعيًا لبني العباس.
وفي سنة 132هـ مات إبراهيم بن محمد في سجن مروان بن محمد، وأوصى بالخلافة بعده لأخيه عبد الله بن محمد (السفاح)، وبالفعل اختير السفاح أول خليفة لبني العباس في ربيع الآخر سنة 132هـ.
وفي 11 من جمادى الآخرة أرسل السفاح الجيوش لمنازلة الأمويين فسحقهم، واستتب الوضع لبني العباس عدا الأندلس.
أول خلفاء بني العباس
خلافة السفاح عبد الله بن محمد العباسي
(من ربيع الآخر 132هـ حتى ذي الحجة 136هـ)
خريطة الدولة العباسيةولد السفاح بالحميمة ونشأ بها، ثم لما أخذ مروان أخاه إبراهيم انتقل أهله إلى الكوفة فانتقل معهم، ويقال له أيضًا: المرتضى والقاسم. آلت إليه الخلافة كما رأينا واستقر بالكوفة.. بيد أنه واجه محاولات عديدة للخروج عليه، ولكنه استطاع أن يقضي عليها جميعًا مستعينًا بأبي مسلم الخراساني وفئة من أهله وعشيرته وكانوا كثرة، وكان شديد البطش والتنكيل بخصومه، فكان جُلُّ اعتماده على:
1- أبو مسلم الخراساني بالمشرق.
2- أخوه أبو جعفر المنصور بالجزيرة وأرمينية والعراق.
3- عمه عبد الله بن على بالشام ومصر.
وكان معظم ولاة السفاح من أعمامه وبني أعمامه.. وعَهِد السفاح من بعده إلى أخيه أبي جعفر المنصور ومن بعده إلى ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي. ولم تطل أيامه، فقد أصيب بالجدري فمات، ولم تستقر له الأمور بصورة تامة.
خلافة أبي جعفر المنصور
مخاطر على الدولة الناشئة
أبو جعفر المنصورلما تولى المنصور الخلافة (من ذي الحجة 136هـ حتى ذي الحجة 158هـ) وضع نصب عينيه مخاطر ثلاث لا بُدَّ أن يقضي عليها:
1- منافسة عمه عبد الله بن علي له في الأمر، وقد كان موكلاً بتدبير جيوش الدولة من أهل خراسان والشام والجزيرة والموصل ليغزو بهم الروم (وكان رغم جلالة قدره عند بني العباس لكنه كان قليل الحزم).
2- اتساع نفوذ أبي مسلم الخراساني، أحد أعمدة الدولة العباسية فكان أبو جعفر شديد الحنق عليه، لا يرضيه أن يكون له في الأمر شريك ذو سطوة وسلطان.
3- بنو عمومته من آل علي بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان، خاصة محمد بن عبد الله بن حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فخاف أبو جعفر أن يحاول الخروج عليه.
معالجته للخطر الأول
فأما الخطر الأول: إزالة عمه:
(يضرب عمه بأبي مسلم وأيهما زال فقد زال من طريقه).
كان عبد الله بن على ينتظر أن تؤول إليه الخلافة لما كان له من يد طولى في القضاء على ملك بني أمية، فلما جاء الخبر باستخلاف أبي جعفر المنصور خلعه وأعلن البيعة لنفسه.. فأرسل إليه أبو جعفر جيشًا بقيادة أبي مسلم الخراساني فالتقوا عند حران ودارت معركة بين الفريقين لمدة ستة أشهر وظلت المعركة سجالاً ثم تحولت إلى أبي مسلم الذي انتصر، وفر عبد الله بن علي إلى البصرة عند أخيه سليمان فعلم بذلك أبو جعفر فبعث إلى أبي سليمان يأمره بإحضار عبد الله بن علي إليه، وأعطاه الأمان لعبد الله ما جعله يثق به، فجيء به إلى المنصور سنة 139هـ، فأمر بحبسه وحبس من كان معه وظل في حبسه حتى مات سنة 147هـ، وكانت هذه غدرة من المنصور.
معالجته للخطر الثاني
وأما الخطر الثاني: أبو مسلم الخراساني:
أراد أبو جعفر أن يصطاد أبا مسلم قبل أن يعود إلى خراسان بعد هذه المعركة، ولم يكن يريد أن يظهر لأبي مسلم مراده.
فكتب إلى أبي مسلم (إني قد وليتك مصر والشام فهي خير لك من خراسان.. تكون بقرب أمير المؤمنين، فإن أحب لقاءك أتيته من قريب).
فغضب أبو مسلم، وقال: (يوليني الشام ومصر، وخراسان لي).
وعزم على عدم تنفيذ الأمر والعودة إلى خراسان.
قرر أبو جعفر استعمال الدهاء مع أبي مسلم وبدأت بينهما حرب مراسلات، حتى أرسل أبو جعفر إليه جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي، في جماعة من الأمراء وأمره أن يكلم أبا مسلم بألين ما يكلم به أحدًا، وأن يمنِّيه فإن أبى قال له: (هو بريء من العباس إن شققت العصا، وذهبت على وجهك ليدركنك بنفسه وليقاتلنك دون غيره، ولو خضت البحر الخضم لخاضه خلفك، حتى يدركك فيقتلك أو يموت قبل ذلك).
وبالفعل يقابل الوفد أبا مسلم فيأبى أن يطيع، أو أن يأتي لمقابلة أبي جعفر، فيبلغاه الرسالة الأخيرة، وسبحان الله! فهذه الكلمات جعلت الجبار أبا مسلم يخنع ويجبن، ويزداد ترددًا وحيرة.
المدائنكما كتب أبو جعفر إلى خليفته أبي مسلم على جند خراسان يعطيه إمامه خراسان ما عاش.. كل هذه الضغوط جعلت أبا مسلم يقرر الذهاب لمقابلة أبي جعفر المنصور الذي تمادى في المكر فأعطاه الأمان، وأظهر له عند دخوله المدائن الاحترام والتقدير ومراسم الاستقبال، ولكنه كان عازمًا على قتل أبي مسلم غدرًا، وبالفعل قتله وهو يكلمه آمنًا على يد بعض حراسه.
روى البيهقي عن الحاكم بسنده أن عبد الله بن المبارك سئل عن أبي مسلم أهو خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيرًا من أحد، ولكن كان الحجاج شرًّا منه، قد اتهمه بعضهم على الإسلام، ورموه بالزندقة، ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدل على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية، والله أعلم بأمره.
معالجته للخطر الثالث
الخطر الثالث: محمد بن عبد الله بن الحسن بن زيد:
فقد زعموا أن بني هاشم انتخبوه للخلافة وبايعوه بها في أواخر عهد بني أمية، وكذلك بايعه أبو جعفر المنصور فلما جاءت الدولة العباسية لم يف أبو جعفر ببيعته له، ولذلك لم يبايع محمد لأبي العباس ولا لأبي جعفر.. واستخفى في زمن أبي جعفر وظل أبو جعفر يجري تحرياته عن محمد فلما لم يعثر عليه اعتقل المنصور أباه وصادر أمواله.
ولا يزال المنصور يبحث عنه وأنفق كثيرًا من المال في هذه السبيل فلم يصل إلى شيء.. فاعتقل بني الحسن كلهم فلما علم محمد بذلك قال لأمه هند: (إني قد حملت أبي وعمومتي ما لا طاقة لهم به ولقد هممت أن أضع يدي في أيديهم فعسى أن يخلي عنهم). فتنكرت هند ثم جاءت السجن كهيئة الرسول فأذن لها، فلما رآها عبد الله أبو محمد عرفها فنهض إليها فأخبرته بما قال محمد فقالكلا بل نصبر، فوالله إني لأرجو أن يفتح الله به خيرًا، قولي له فليدع إلى أمره وليجِدَّ فيه فإن فرجنا بيد الله). فانصرفت، واستمر محمد على اختفائه.
فاستعمل معهم المنصور أشد أنواع العذاب ونقلهم إلى سجن بالعراق، ومات أكثرهم في الحبس.
نتيجة هذه الفظائع قرر محمد الظهور بالمدينة، وكان ذلك أول يوم من رجب سنة 145هـ، أعانه أهل المدينة وصعد منبر الحرم وخطب فيهم.
والحقيقة أنه كان من مكر أبي جعفر الخليفة أنه كتب إلى محمد على ألسنة قواده يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه؛ مما جعل محمد يتوهم أن أغلب الأمصار معه، كما أن الحسن كان قد اتفق مع أخيه إبراهيم أن يظهر في نفس اليوم بالبصرة ليعظم ذلك على أبي جعفر ولكن أخاه مرض ولم يخرج.
كما أنه حصر نفسه بالمدينة وهي ليست بمركز حربي يمكن للقائد أن يبقى فيه للدفاع طويلاً فحياة المدينة من خارجها فلا تحتمل الحصار إلا قليلاً.. وقد كان فحوصرت المدينة ودبّر أبو جعفر أمره تدبيرًا محكمًا.
وتكررت تجربة ابن الزبير فقد انتقض الناس من حول محمد الذي قتل بعد أن أظهر شجاعة فائقة، وذلك في رمضان سنة 145هـ.
وبمقتل محمد استتب الأمر لأبي جعفر وتوطدت أركان الدولة الناشئة، فلم يعد هناك في الأفق مخاطر داخلية.
بناء بغداد
شرع المنصور في بناء بغداد كمقر للخلافة العباسية، وأتم بناءها سنة 146هـ.
منارة جامع الخلفاء في سوق الغزلوقالوا: إنه أنفق على بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، قال الخطيب البغدادي: لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة أمرها وكثرة علمائها وأعلامها، وحشر إليها المنصور العلماء من كل بلد وإقليم، حتى صارت أم الدنيا وسيدة البلاد ومهد الحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية، وأربى سكانها على مليونين.
ذكر ما جاء في وصف المنصور وخصائصه وأخلاقه
كان المنصور أعظم رجل من آل العباس شدة وبأسًا ويقظة وثباتًا، كان شغله في صدر النهار بالأمر والنهي، والولايات، والعزل، وشحن الثغور، وأمن السبل والنظر في الخراج، والنفقات، ومصلحة معاش الرعية.. فإذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر، فإذا صلى العصر جلس لأهل بيته ونظر في مصالحهم الخاصة، فإذا صلى العشاء نظر فيما ورد عليه من كتب الثغور والآفاق وشاور سُمّاره من ذلك فيما أرب، فإذا مضى ثلث الليل قام إلى فراشه وانصرف سماره، فإذا مضى الثلث الثاني قام من فراشه فأسبغ وضوءه وصف محرابه حتى يطلع الفجر، ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيجلس في إيوانه.
كان المنصور في شبابه يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه، فنال جانبا جيدًا وطرفًا صالحًا، وقد قيل له يومًا: يا أمير المؤمنين، هل بقي شيء من اللذات لم تنله؟ قال: شيء واحد. قالوا: وما هو؟ قال: قول المحدث للشيخ: من ذكرت رحمك الله.
فاجتمع وزراؤه وكتابه وجلسوا حوله وقالوا: ليُملِ علينا أمير المؤمنين شيئًا من الحديث. فقال: لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، رواد الآفاق وقطَّاع المسافات، تارة بالعراق وتارة بالحجاز، وتارة بالشام، وتارة باليمن، فهؤلاء نقلة الحديث.
وقد ذكروا في مآثره وحلمه وعفوه وحسن تدبيره وتعهده ابنه المهدي وإعداده للخلافة مآثر طيبة، ولكن يؤخذ عليه غدره بأبي مسلم الخراساني وعمه عبد الله بن علي بعد أن أعطى كل واحدٍ منهما الأمان.
ذكر الفتوحات
لم تكن هناك فتوحات حاسمة في عهده، بل هي غزوات متكررة، بل ربما تجرأ الروم على المسلمين لانشغالهم بالصراعات الداخلية فهجموا على بعض الثغور، ودخل مَلِكُهم قسطنطين ملاطية عنوة وهدم سورها وتقدم في بلاد المسلمين.
ولكن لما انتبه المنصور وانتهت إلى حد كبير الصراعات الداخلية، عاد الغزو من جديد واستعاد المسلمون سيطرتهم من ناحية بلاد الروم.
كما بعث أبو جعفر ابنه المهدي لغزو طبرستان سنة 141هـ.
الرصافةوفي سنة 151هـ شرع أبو جعفر في بناء الرصافة لابنه المهدي، بعد مقدمه من خراسان، وهي في الجانب الشرقي من بغداد، وجعل لها سورًا وخندقًا، وفيها جدَّد المنصور البيعة لنفسه، ثم لولده المهدي من بعده ثم لعيسى بن موسى من بعدهما.
موت أبي جعفر
مات أبو جعفر سنة 158هـ في طريقه إلى الحج، ودفن بمكة، وقد كتم الربيع الحاجب موته حتى أخذ البيعة للمهدي من قادة بني هاشم ثم دفن.
قالوا: وكان آخر ما تكلم به المنصور أن قال: "اللهم بارك لي في لقائك".
الحُميمةكان الوليد بن عبد الملك الخليفة يومئذ قد أقطع الحُميمة (بلدة في الأردن) لعلي بن عبد الله بن عباس فأقام واستقر بها.
بعد زيارة قام بها عبد الله بن محمد (أبو هاشم) إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، الذي رحب به وأكرمه، شعر أبو هاشم بالمرض وأحس بدنو أجله، وأشاع الناس أن سليمان قد سمّه فعرج أبو هاشم على (الحميمة) ونقل ذلك إلى ابن عمه محمد بن على بن عبد الله بن عباس، وطلب منه أن يقتص من بني أمية وذلك عام 99هـ.
لقي كلام أبو هاشم لابن عمه محمد موقعًا من نفسه، وكان رجلاً طموحًا وكان له أكثر من عشرين أخًا يدعمونه بالإضافة إلى أبنائه، فحمل محمد بن على الفكرة وهى: إزالة ملك بني أمية، وبدأ يعمل على تنفيذها.
اختيار المكان
اختار الكوفة وخراسان نقطتي انطلاق للدعوة وهو اختيار دقيق لأسباب منها:
1- أكثر الناقمين على بني أمية من الكوفة.
2- أن خراسان تقع في مشرق الدولة وإذا اضطرت الظروف يمكن أن يفر إلى بلاد الترك المجاورة.
3 - وفي خراسان صراعات عصبية بين العرب (القيسية واليمانية) يمكن الاستفادة من هذا الصراع لصالحه.
4 – وخراسان دولة حديثة عهد بالإسلام، فيمكن التأثير في نفوس أهلها من منطلق العاطفة والحب لآل البيت.
5 – اختار الكوفة مركزًا للدعوة ويقيم فيها ما يسمى (بكبير الدعاة أو داعي الدعاة)، وتكون خراسان هي مجال انتشار الدعوة.
تنظيم أمور الدعوة
عمد كذلك إلى السرية التامة وكان حريصًا عليها، تنتقل المعلومات من خراسان إلى الكوفة إلى الحميمة، ويتحرك الدعاة على شكل تجار أو حجاج.
أول كبير للدعاة في خراسان هو أبو عكرمة السراج (أبو محمد الصادق) الذي اختار اثني عشر نقيبًا كلهم من قبائل عربية، وهذا يرد على الادعاء بأن الدولة العباسية قامت على أكتاف الفرس. فكان كبير الدعاة يختار اثني عشر نقيبًا يأتمرون بأمره ولا يعرفون الإمام، ولكل نقيب سبعون عاملاً.
بدأت الدعوة تؤتي ثمارها في خراسان، وبدأ يظهر رجالها، مما جعل والي خراسان يومئذ وهو أسد بن عبد الله القسري يقبض على أبي عكرمة السراج، وعدد من أصحابه فيقتلهم سنة 107هـ.
وحتى سنة 118هـ استطاع أسد بن عبد الله (كان قد عزل ثم أعيد) بخبرته أن يكشف بعض قادة التنظيم العباسي واشتد عليهم فلجأت الدعوة العباسية إلى السرية التامة من جديد.
ولأن رجال الدعوة قد عرفوا هناك كان لابد من تغيير، فتم اختيار عمار بن يزيد (خداش) داعية جديدًا في خراسان، ولكن لم يكن اختيارًا موفقًا إذ أظهر بعد ذلك الكفر وانكشف أمره، وقتل على يد أسد بن عبد الله أيضًا سنة 118هـ.
شوهت أفعال خداش صورة الدعوة العباسية في أذهان الناس، ولم يثقوا في الداعية الجديد، إضافةً إلى شدة أسد بن عبد الله عليهم.
وحتى سنة 122هـ كانت الدعوة تسير ببطء فلقد ظهر عائق جديد وهو ثورة زيد بن على بن زين العابدين بالكوفة.. وكان لا بُدَّ أثناءها وبعدها من الهدوء ليعود الجو إلى حالته الطبيعية.
وفي سنة 125هـ توفي محمد بن علي وأوصى من بعده لابنه إبراهيم؛ ليقوم بمتابعة أمور الدعوة.
وجاء الفرج في سنة 125هـ بعد وفاة هشام بن عبد الملك وانشغال الدولة الأموية بصراعاتها الداخلية.. بالإضافة إلى أن الدعوة العباسية بتوجيه من إمامها قررت استغلال الصراع القبلي القائم بخراسان؛ وذلك لأن والي خراسان يومئذ كان (نصر بن سيار) مضريًّا وأكثرية العرب هناك من اليمانية فكرهوه، فاتجهت الدعوة العباسية إلى اليمانية. وأثّر هذا الصراع القبلي على أحوال الناس ومصالحهم بكافة فصائلهم (اليمانيون، المضريون، أهل العلم، الفرس، الترك)، كل هذه الأحداث ساعدت الدعوة العباسية على الانتشاط من جديد.
ظهور أبي مسلم الخراساني
وفي سنة 128هـ ظهرت شخصية قوية هو أبو مسلم الخراساني (فارسي الأصل) أحد دعاة بني العباس منذ سنوات، لمح فيه إبراهيم بن محمد الذكاء والكفاءة، فقرر أن يرسله إلى خراسان حيث أمر الدعوة في نمو مطرد.
وفي سنة 129هـ جاءت إلى أبي مسلم رسالة من الإمام تأمره بالظهور بالدعوة، ففعل، ووالي خراسان يومها مشغول بصراعات الدولة الداخلية، ولما كان يوم عيد الفطر صلى أبو مسلم بالناس.
مرحلة الاشتباك المسلح
وقع أول اشتباك بين قوة بني أمية وقوة بني العباس في خراسان، وانتصر فيها أبو مسلم على قوات نصر بن سيار، وكثر أتباع أبي مسلم فقد احتال حيلاً لطيفة في السيطرة على الأمر فكان يرسل إلى اليمانية يستميلهم، ويكتب إلى المضرية يستميلهم بقوله: (إن الإمام أوصاني بك خيرًا، ولست أعدو رأيه فيك).
توترت الأحداث، وبعث مروان بن محمد في طلب إبراهيم بن محمد الإمام المقيم بالحميمة، فقيدوه وأرسلوه إلى الخليفة بدمشق فسجن.
وفي سنة 131هـ ازداد تمكن أبي مسلم من الأمر، وفر نصر بن سيار وتوفي، فدانت خراسان كلها لأبي مسلم.
وفي سنة 132هـ انتصرت قوات أبي مسلم على قوات العراق ثم توجه إلى الكوفة والتي كان قد خرج بها محمد بن خالد بن عبد الله القسري داعيًا لبني العباس.
وفي سنة 132هـ مات إبراهيم بن محمد في سجن مروان بن محمد، وأوصى بالخلافة بعده لأخيه عبد الله بن محمد (السفاح)، وبالفعل اختير السفاح أول خليفة لبني العباس في ربيع الآخر سنة 132هـ.
وفي 11 من جمادى الآخرة أرسل السفاح الجيوش لمنازلة الأمويين فسحقهم، واستتب الوضع لبني العباس عدا الأندلس.
أول خلفاء بني العباس
خلافة السفاح عبد الله بن محمد العباسي
(من ربيع الآخر 132هـ حتى ذي الحجة 136هـ)
خريطة الدولة العباسيةولد السفاح بالحميمة ونشأ بها، ثم لما أخذ مروان أخاه إبراهيم انتقل أهله إلى الكوفة فانتقل معهم، ويقال له أيضًا: المرتضى والقاسم. آلت إليه الخلافة كما رأينا واستقر بالكوفة.. بيد أنه واجه محاولات عديدة للخروج عليه، ولكنه استطاع أن يقضي عليها جميعًا مستعينًا بأبي مسلم الخراساني وفئة من أهله وعشيرته وكانوا كثرة، وكان شديد البطش والتنكيل بخصومه، فكان جُلُّ اعتماده على:
1- أبو مسلم الخراساني بالمشرق.
2- أخوه أبو جعفر المنصور بالجزيرة وأرمينية والعراق.
3- عمه عبد الله بن على بالشام ومصر.
وكان معظم ولاة السفاح من أعمامه وبني أعمامه.. وعَهِد السفاح من بعده إلى أخيه أبي جعفر المنصور ومن بعده إلى ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي. ولم تطل أيامه، فقد أصيب بالجدري فمات، ولم تستقر له الأمور بصورة تامة.
خلافة أبي جعفر المنصور
مخاطر على الدولة الناشئة
أبو جعفر المنصورلما تولى المنصور الخلافة (من ذي الحجة 136هـ حتى ذي الحجة 158هـ) وضع نصب عينيه مخاطر ثلاث لا بُدَّ أن يقضي عليها:
1- منافسة عمه عبد الله بن علي له في الأمر، وقد كان موكلاً بتدبير جيوش الدولة من أهل خراسان والشام والجزيرة والموصل ليغزو بهم الروم (وكان رغم جلالة قدره عند بني العباس لكنه كان قليل الحزم).
2- اتساع نفوذ أبي مسلم الخراساني، أحد أعمدة الدولة العباسية فكان أبو جعفر شديد الحنق عليه، لا يرضيه أن يكون له في الأمر شريك ذو سطوة وسلطان.
3- بنو عمومته من آل علي بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان، خاصة محمد بن عبد الله بن حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فخاف أبو جعفر أن يحاول الخروج عليه.
معالجته للخطر الأول
فأما الخطر الأول: إزالة عمه:
(يضرب عمه بأبي مسلم وأيهما زال فقد زال من طريقه).
كان عبد الله بن على ينتظر أن تؤول إليه الخلافة لما كان له من يد طولى في القضاء على ملك بني أمية، فلما جاء الخبر باستخلاف أبي جعفر المنصور خلعه وأعلن البيعة لنفسه.. فأرسل إليه أبو جعفر جيشًا بقيادة أبي مسلم الخراساني فالتقوا عند حران ودارت معركة بين الفريقين لمدة ستة أشهر وظلت المعركة سجالاً ثم تحولت إلى أبي مسلم الذي انتصر، وفر عبد الله بن علي إلى البصرة عند أخيه سليمان فعلم بذلك أبو جعفر فبعث إلى أبي سليمان يأمره بإحضار عبد الله بن علي إليه، وأعطاه الأمان لعبد الله ما جعله يثق به، فجيء به إلى المنصور سنة 139هـ، فأمر بحبسه وحبس من كان معه وظل في حبسه حتى مات سنة 147هـ، وكانت هذه غدرة من المنصور.
معالجته للخطر الثاني
وأما الخطر الثاني: أبو مسلم الخراساني:
أراد أبو جعفر أن يصطاد أبا مسلم قبل أن يعود إلى خراسان بعد هذه المعركة، ولم يكن يريد أن يظهر لأبي مسلم مراده.
فكتب إلى أبي مسلم (إني قد وليتك مصر والشام فهي خير لك من خراسان.. تكون بقرب أمير المؤمنين، فإن أحب لقاءك أتيته من قريب).
فغضب أبو مسلم، وقال: (يوليني الشام ومصر، وخراسان لي).
وعزم على عدم تنفيذ الأمر والعودة إلى خراسان.
قرر أبو جعفر استعمال الدهاء مع أبي مسلم وبدأت بينهما حرب مراسلات، حتى أرسل أبو جعفر إليه جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي، في جماعة من الأمراء وأمره أن يكلم أبا مسلم بألين ما يكلم به أحدًا، وأن يمنِّيه فإن أبى قال له: (هو بريء من العباس إن شققت العصا، وذهبت على وجهك ليدركنك بنفسه وليقاتلنك دون غيره، ولو خضت البحر الخضم لخاضه خلفك، حتى يدركك فيقتلك أو يموت قبل ذلك).
وبالفعل يقابل الوفد أبا مسلم فيأبى أن يطيع، أو أن يأتي لمقابلة أبي جعفر، فيبلغاه الرسالة الأخيرة، وسبحان الله! فهذه الكلمات جعلت الجبار أبا مسلم يخنع ويجبن، ويزداد ترددًا وحيرة.
المدائنكما كتب أبو جعفر إلى خليفته أبي مسلم على جند خراسان يعطيه إمامه خراسان ما عاش.. كل هذه الضغوط جعلت أبا مسلم يقرر الذهاب لمقابلة أبي جعفر المنصور الذي تمادى في المكر فأعطاه الأمان، وأظهر له عند دخوله المدائن الاحترام والتقدير ومراسم الاستقبال، ولكنه كان عازمًا على قتل أبي مسلم غدرًا، وبالفعل قتله وهو يكلمه آمنًا على يد بعض حراسه.
روى البيهقي عن الحاكم بسنده أن عبد الله بن المبارك سئل عن أبي مسلم أهو خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيرًا من أحد، ولكن كان الحجاج شرًّا منه، قد اتهمه بعضهم على الإسلام، ورموه بالزندقة، ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدل على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية، والله أعلم بأمره.
معالجته للخطر الثالث
الخطر الثالث: محمد بن عبد الله بن الحسن بن زيد:
فقد زعموا أن بني هاشم انتخبوه للخلافة وبايعوه بها في أواخر عهد بني أمية، وكذلك بايعه أبو جعفر المنصور فلما جاءت الدولة العباسية لم يف أبو جعفر ببيعته له، ولذلك لم يبايع محمد لأبي العباس ولا لأبي جعفر.. واستخفى في زمن أبي جعفر وظل أبو جعفر يجري تحرياته عن محمد فلما لم يعثر عليه اعتقل المنصور أباه وصادر أمواله.
ولا يزال المنصور يبحث عنه وأنفق كثيرًا من المال في هذه السبيل فلم يصل إلى شيء.. فاعتقل بني الحسن كلهم فلما علم محمد بذلك قال لأمه هند: (إني قد حملت أبي وعمومتي ما لا طاقة لهم به ولقد هممت أن أضع يدي في أيديهم فعسى أن يخلي عنهم). فتنكرت هند ثم جاءت السجن كهيئة الرسول فأذن لها، فلما رآها عبد الله أبو محمد عرفها فنهض إليها فأخبرته بما قال محمد فقالكلا بل نصبر، فوالله إني لأرجو أن يفتح الله به خيرًا، قولي له فليدع إلى أمره وليجِدَّ فيه فإن فرجنا بيد الله). فانصرفت، واستمر محمد على اختفائه.
فاستعمل معهم المنصور أشد أنواع العذاب ونقلهم إلى سجن بالعراق، ومات أكثرهم في الحبس.
نتيجة هذه الفظائع قرر محمد الظهور بالمدينة، وكان ذلك أول يوم من رجب سنة 145هـ، أعانه أهل المدينة وصعد منبر الحرم وخطب فيهم.
والحقيقة أنه كان من مكر أبي جعفر الخليفة أنه كتب إلى محمد على ألسنة قواده يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه؛ مما جعل محمد يتوهم أن أغلب الأمصار معه، كما أن الحسن كان قد اتفق مع أخيه إبراهيم أن يظهر في نفس اليوم بالبصرة ليعظم ذلك على أبي جعفر ولكن أخاه مرض ولم يخرج.
كما أنه حصر نفسه بالمدينة وهي ليست بمركز حربي يمكن للقائد أن يبقى فيه للدفاع طويلاً فحياة المدينة من خارجها فلا تحتمل الحصار إلا قليلاً.. وقد كان فحوصرت المدينة ودبّر أبو جعفر أمره تدبيرًا محكمًا.
وتكررت تجربة ابن الزبير فقد انتقض الناس من حول محمد الذي قتل بعد أن أظهر شجاعة فائقة، وذلك في رمضان سنة 145هـ.
وبمقتل محمد استتب الأمر لأبي جعفر وتوطدت أركان الدولة الناشئة، فلم يعد هناك في الأفق مخاطر داخلية.
بناء بغداد
شرع المنصور في بناء بغداد كمقر للخلافة العباسية، وأتم بناءها سنة 146هـ.
منارة جامع الخلفاء في سوق الغزلوقالوا: إنه أنفق على بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، قال الخطيب البغدادي: لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة أمرها وكثرة علمائها وأعلامها، وحشر إليها المنصور العلماء من كل بلد وإقليم، حتى صارت أم الدنيا وسيدة البلاد ومهد الحضارة الإسلامية في عهد الدولة العباسية، وأربى سكانها على مليونين.
ذكر ما جاء في وصف المنصور وخصائصه وأخلاقه
كان المنصور أعظم رجل من آل العباس شدة وبأسًا ويقظة وثباتًا، كان شغله في صدر النهار بالأمر والنهي، والولايات، والعزل، وشحن الثغور، وأمن السبل والنظر في الخراج، والنفقات، ومصلحة معاش الرعية.. فإذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر، فإذا صلى العصر جلس لأهل بيته ونظر في مصالحهم الخاصة، فإذا صلى العشاء نظر فيما ورد عليه من كتب الثغور والآفاق وشاور سُمّاره من ذلك فيما أرب، فإذا مضى ثلث الليل قام إلى فراشه وانصرف سماره، فإذا مضى الثلث الثاني قام من فراشه فأسبغ وضوءه وصف محرابه حتى يطلع الفجر، ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيجلس في إيوانه.
كان المنصور في شبابه يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه، فنال جانبا جيدًا وطرفًا صالحًا، وقد قيل له يومًا: يا أمير المؤمنين، هل بقي شيء من اللذات لم تنله؟ قال: شيء واحد. قالوا: وما هو؟ قال: قول المحدث للشيخ: من ذكرت رحمك الله.
فاجتمع وزراؤه وكتابه وجلسوا حوله وقالوا: ليُملِ علينا أمير المؤمنين شيئًا من الحديث. فقال: لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، رواد الآفاق وقطَّاع المسافات، تارة بالعراق وتارة بالحجاز، وتارة بالشام، وتارة باليمن، فهؤلاء نقلة الحديث.
وقد ذكروا في مآثره وحلمه وعفوه وحسن تدبيره وتعهده ابنه المهدي وإعداده للخلافة مآثر طيبة، ولكن يؤخذ عليه غدره بأبي مسلم الخراساني وعمه عبد الله بن علي بعد أن أعطى كل واحدٍ منهما الأمان.
ذكر الفتوحات
لم تكن هناك فتوحات حاسمة في عهده، بل هي غزوات متكررة، بل ربما تجرأ الروم على المسلمين لانشغالهم بالصراعات الداخلية فهجموا على بعض الثغور، ودخل مَلِكُهم قسطنطين ملاطية عنوة وهدم سورها وتقدم في بلاد المسلمين.
ولكن لما انتبه المنصور وانتهت إلى حد كبير الصراعات الداخلية، عاد الغزو من جديد واستعاد المسلمون سيطرتهم من ناحية بلاد الروم.
كما بعث أبو جعفر ابنه المهدي لغزو طبرستان سنة 141هـ.
الرصافةوفي سنة 151هـ شرع أبو جعفر في بناء الرصافة لابنه المهدي، بعد مقدمه من خراسان، وهي في الجانب الشرقي من بغداد، وجعل لها سورًا وخندقًا، وفيها جدَّد المنصور البيعة لنفسه، ثم لولده المهدي من بعده ثم لعيسى بن موسى من بعدهما.
موت أبي جعفر
مات أبو جعفر سنة 158هـ في طريقه إلى الحج، ودفن بمكة، وقد كتم الربيع الحاجب موته حتى أخذ البيعة للمهدي من قادة بني هاشم ثم دفن.
قالوا: وكان آخر ما تكلم به المنصور أن قال: "اللهم بارك لي في لقائك".
- باربيمراقب عام
- عدد المساهمات : 11902
نقاط : 28065
التقيم : 14
تاريخ التسجيل : 30/10/2011
المزاج : رائق
رد: تاريخ الدوله العباسية 1
الإثنين نوفمبر 21, 2011 3:11 am
تاريخ الدوله العباسية 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى