- angelالمدير العام
- عدد المساهمات : 8871
نقاط : 14094
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
الموقع : عمان
المزاج : إذا ضبطت نفسك متلبساً بالغيرة "على " إنسان ما فتفقد أحاسيسك جيداً فقد تكون في حالة " حب " وأنت "لا تعلم"..
سيرة طارق الهاشمي
الإثنين نوفمبر 14, 2011 3:46 am
السيرة الذاتية
عراقي من هذه الأرض
اسمي (طارق أحمد بكر الهاشمي)، مواطن عراقي، عربي مسلم، حسيني النسب، يرتبط بسيدنا الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهم وأرضاهم آل البيت الأطهار. لم أكن أسمع الناس تنادي والدي إلا بـ (سيد أحمد)، وهكذا تعارف الأصحاب والجيران على مناداتي بـ (السيد). أنعم الله عليَّ وعلى أجدادي بالانتماء لهذا الوطن، والانتساب لهذه الأرض جذوراً ونشأة وهوية وفخراً، ولدت ببغداد دار السلام، في واحدة من محلاتها القديمة هي (البارودية) عام 1942م. وظيفتي الحالية هي: (نائب رئيس جمهورية العراق)، وانتمائي السياسي هو: مستقل إلا عن حب الوطن. أؤمن بأن العدل أساس الحكم، وأن وحدة العراق في توظيف تنوعه لترميم حاضره وبناء مستقبله، وأن العراقيين شعب واحد، وأنهم تحت خيمة المواطنة وأمام القانون سواسية، لا فضل لعراقي على آخر إلا بقدر حبه وإخلاصه لبلده.
يشرفني أن أنتمي لعائلة عربية محافظة، تنتمي إلى الطبقة الوسطى، خدمتْ هذا الوطن مبكراً، وساهمت بجدٍ في بناء صرحه الشامخ، ساهمت في تأسيس الدولة العراقية الحديثة. إذ تقلد والدي منصباً حكومياً رفيعاً حتى عام 1957، ومن أعمامي المغفور له بإذن الله الأستاذ محمود الهاشمي مدرس الملك غازي في مادة التاريخ.
كما أن خال والدي المرحوم ياسين الهاشمي كان رئيساً لوزراء العراق لفترات متعاقبة حتى عام 1936، إضافة إلى المرحوم طه الهاشمي المشرف على الملك غازي عندما كان يافعاً ثم أصبح وزيراً مخضرماً للدفاع لفترات متعاقبة أيضاً، ومن ثم أصبح رئيساً للوزراء عام 1941، ثم رئيساً لمجلس الاعمار حتى عام 1958، وها أنا اليوم سليل هذه العائلة العراقية كلفت بمهام (نائب رئيس جمهورية العراق) لأكمل مسيرة أهلي في خدمة العراق العزيز.
للعراق أنتمي ومن أجله أضحي
أما الطائفية أو الطائفية السياسية فلم أؤمن بها يوماً، ولم أحمل في صدري ضغينة على عراقي يوماً بسبب انتمائه الديني أو المذهبي أو القومي أو السياسي، فكلنا عراقيون وهذا وطننا، وليس لأحدٍ أن يسلب حق أحدٍ في العراق. وعائلتي مثل كل العوائل العراقية، تضم أنساباً وأرحاماً من كل عشائر ومذاهب العراق، فزوج شقيقتي الكبرى المرحومة (نجاة الهاشمي)، مهندس الري الطموح، كان من عشائر (الدغارة) في محافظة (القادسية). عاشا سوية، وغادرا الدنيا سوية، وامتزجت دماؤهما في حادث طريق عام 1958.
هكذا كان العراق بقوة تماسكه، وهكذا كان أهله في أيام خلت.. ويا ليته لا يزال..
طموح على صهوة فرس
تخرجت من الإعدادية المركزية عام 1959 لأحقق طموحي في الالتحاق بالكلية العسكرية التي تخرجت منها عام 1962 ضابطاً في القوات المسلحة العراقية الباسلة برتبة (ملازم ثاني) في صنف الدروع. وفي رحاب المؤسسة العسكرية العراقية العريقة تسلحت بالقيم والمعارف العسكرية والقيادية، وصقلت مهاراتي فيها كعراقي فخور بتأدية واجبه، فتفوقت بحمد الله في العديد من الدورات الأساسية في العراق تم على إثرها ترشيحي لدورة معلمي الأسلحة البريطانية في (معسكر لالوورث في بريطانيا) عام 1966، ودورة الأسلحة في جيكوسلوفاكيا عام 1968، ودورة الضباط الأقدمين في الهند عام 1974.
وفي حضن الجيش العراقي، مدرسة الأبطال ومصنع الرجال، تعلمت أن تراب الوطن الغالي الذي ندافع عنه واحد لا يتجزأ، وأن ذمة العراقيين وأرواحهم ومصالحهم في رقابنا.
واليوم أخوض المعترك السياسي كما عشت في الحياة العسكرية بالأمس، وفي الحياة المدنية كما في الجيش، يحكمني ذات نهج الفداء ومنطق التضحية الذي تعلمته كجندي في تعاملي مع وطني، متمثلاً في علاقتي مع العراق وسيادته ومصالحه الإستراتيجية قول الشاعر:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في الترابدفيناً
عراقية ساندتني وشدت من أزري
عام 1971 تزوجت من فتاة عراقية لتكون شريكة حياتي وأم أبنائي، كان لدخولها حياتي الأثر الكبير، إذ كانت هذه الإنسانة النبيلة بحق "گصة خير علية" كما يقول العراقيون في لهجتهم المحببة، إذ كنت قد حصلت عام 1969 بالدراسة المسائية على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة المستنصرية، وبعد خطبتي لأم زياد مباشرة تم قبولي في كلية الأركان العراقية ـ حلمي الذي بدا لي مستحيلاً ـ إذ كان من الصعب جداً أن يدخل إلى هذه الكلية غير المنتمين لحزب البعث، ولأنني كنت مستقلاً حينها كان أمر قبولي فيها ضرباً من الخيال، إلا أن تفوقي المتميز في امتحان القبول وخدمتي الحسنة في الجيش وسمعتي، كانت رأس مالي ومفتاح الخير الذي رافقني بفضل الله في حياتي، فدرست في كلية الأركان حتى حصلت على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1971 بدرجة (أ) وحصلت بموجبها على قِدَم لمدة سنتين.
من الدفاع عن الوطن إلى تنميته
تقاعدت عام 1975 من الخدمة في الجيش برتبة (مقدم ركن) في إطار خطة السلطة آنذاك، القاضية بحصر مناصب الأركان في الجيش العراقي بأعضاء حزب البعث الحاكم. وهكذا أصبح ترك الخدمة في الجيش خياراً لا مفر منه، و عليه تقدمت عام 2004 بطلب انصافي الى لجنة عراقية متخصصة درست اوراقي و ملفاتي ووثائقي ووجدت ان احالتي على التقاعد في وقت مبكر عام 1975 كان لاسباب سياسية و على هذا الاساس قررت اللجنة اعتبار السنوات التي تلت التقاعد هي سنين خدمة و لذلك تمت ترقيتي من رتبة مقدم ركن الى رتبة لواء ركن و هي رتبتي الحالية، ألفت في سنين خدمتي بالجيش 13 كتابا اختصت جميعها في الامور العسكرية و اسلحة الدبابات و فنون الرماية و كيفية التعبئة والتاريخ العسكري.
بعد العسكرية لم تتوقف مسيرة حياتي، بل كيفتها عاجلاً صوب الحياة المدنية، وعدت ثانية لمقاعد الدراسة، إذ قررت أن أكمل دراستي العليا في جامعة بغداد لأحصل على درجة الماجستير في الاقتصاد إيماناً مني بأن تطوير الاقتصاد في الحياة المدنية يقابل الدفاع عن الوطن في الحياة العسكرية. ولا زلت أؤمن بأن حل الكثير من مشاكلنا السياسية والأمنية اليوم يأتي في المقام الأول بالتنمية الاقتصادية، وعن طريق توفير فرص العمل للعاطلين، وتحسين ظروف الحياة. فحصلت على الماجستير عام 1978 بدرجة (امتياز)، وكانت رسالتي لنيلها في موضوع (العلاقة بين التنمية الاقتصادية والدفاع الوطني).
من مقعد الدراسة إلى ميدان العمل
بعد حصولي على الماجستير مباشرة حصلت على وظيفة (مدير فرع العراق) في شركة الملاحة العربية المتحدة، نقلت بعدها إلى المقر الرئيسي في دولة الكويت مديراً عاماً لتسويق الخليج بعد نجاحي في جمع وإعادة نقل البضائع والحمولات العراقية التي تبعثرت في مختلف موانئ العالم بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية عام1981، وهو ما اعتبرته إدارة الشركة عملاً متميزاً قررت بموجبه ترقيتي لأتولى إدارة منطقة الشرق الأوسط كنائب لرئيس الشركة. عشت في الغربة مع عائلتي المكونة من زوجتي (أم زياد) وخمس أبناء (ثلاثة أولاد وبنتين)، وبقيت بعيداً عن أرض الوطن مدة تقارب عشر سنوات حتى عام 1990، ورغم الحياة الهانئة إلا أن الحنين إلى الوطن كان يشدني دائماً، وكان مشروع العودة إلى بغداد يسيطر على كياني وتفكيري. ولم تتوفر الفرصة للعودة إلى الوطن إلا بعد أحداث الكويت.
حين خسرت الدكتوراه وربحت العراق
كنت قد سجلت في عام 1988 على دراسة الدكتوراه في الاقتصاد لدى جامعة (بليموث) البريطانية، إلا أنها ألغيت عام 1991 بسبب الحرب على العراق الحبيب، إذ حرمت من مناقشة أطروحة الدكتوراه بعد أن رفضت السلطات البريطانية منحي سمة الدخول وهكذا كانت تتعامل مع أغلب العراقيين بعد أحداث الكويت عام 1990.
في عام 1991، عدت إلى العراق، وعشت مع أهلي أيام الحرب الصعبة. وبقيت فيه ولم أغادره، أو أهاجر بحثاً عن حياة أفضل لعائلتي، بالرغم من الفرص المغرية التي كانت متاحة لي للهجرة، بل قررت أن أعيش مع بلدي مصابه، وأستشعر ألمه، و أكون قريباً منه.
عاصرت وعايشت مع أهلي الحصار الاقتصادي، وأعلم جيداً ما تحويه مفردات الحصة التموينية التي كنت استلمها مثل أي عراقي مدة الحصار كاملة والتي تزيد على (12) سنة، كما عشت ساعات قطع التيار الكهربائي لساعات طوال كحال أهلي من العراقيين، وأتذكر أن جدول القطع آنذاك كان (6 ساعات وطني بثلاث ساعات قطع!)، وكم كانت طويلة ومرهقة أعان الله العراقيين هذه الأيام إذ تمتد ساعات القطع وتطول.
استقرت حياتي مع أهلي في العراق إذ مارست الأعمال الحرة كرجل أعمال مثل كثير من الضباط المتقاعدين، وأحمد الله أني عشت حينها في بلدي، وعانيت مع من عانوا، لاستشعر الألم، والحرمان، مما جعلني اليوم وأنا في سدة الحكم والسلطة، أكثر قدرة على استشعار ألم المواطن ومعاناته، والمحنة التي يمر بها.
واصلت حياتي هكذا، وعشت مع أهلي في بغداد أيام الحرب على العراق عام 2003، التي كانت بمثابة تجربة جديدة في العيش تحت النار بعد تجربة الحرب على العراق عام 1991. وما أن وضعت المعركة الأخيرة أوزارها حتى انطلقت في النشاط السياسي.
موعد مع السياسة
كنت بعد تقاعدي من الجيش قد انضممت إلى (الحزب الإسلامي العراقي) عام 1975، باعتباره المكان الطبيعي في تلك الفترة لشخص مثلي ينتمي إلى عائلة جمعت بين التدين المعتدل والمشاركة في بناء الدولة. وفي عام 2004 انتخبت في مجلس شورى الحزب أميناً عاماً له، ولم أكن راغباً في ذلك أو متطلعاً إليه أو حتى متوقعاً له.
لقد وافقت على أن أتولى قيادة الحزب في ظروف استثنائية صعبة، بعد أن شعرت بأن هذا هو قدري، وما عليَّ إلا أن أستجيب، ولم يكن أمامي من خيار آخر. لم يكن الأمر سهلاً، وتوجب عليَّ إعادة ترتيب حياتي مجدداً، وأوقفت كل نشاط خاص من أجل أن أكرس جهدي وطاقاتي ومهاراتي لمهمتي الجديدة. وقد كان قراراً صعباً غيَّر من نمط حياتي وحياة عائلتي.
حينها أدركت أن مسؤوليتي الوطنية تتركز في العمل جاهداً على تحقيق مشاركة واسعة وفعالة مع كل العراقيين في العملية السياسية حتى نتمكن من حماية وصيانة التماسك الاجتماعي، وبناء الدولة العراقية وفق النموذج الوطني الذي نختاره نحن العراقيون. وتحملت صابراً محتسباً مسؤولية جملة من القرارات المصيرية الصعبة على الصعيد السياسي. وفي انتخابات كانون الأول 2005 وبعد حملة انتخابية قدتها في (جبهة التوافق العراقية) حصلنا بموجبها على (44) مقعداً في مجلس النواب العراقي، وانتخبت نائباً في المجلس عن بغداد الحبيبة، ومن ثم رشحتني الجبهة لمنصب (نائب رئيس جمهورية العراق) في 22 نيسان 2006.
بين تشريف الشهادةوتكليف المسؤولية
قبل أسبوع واحد من تسنمي مسؤولياتي الدستورية نائباً لرئيس الجمهورية شرفني الله باستشهاد شقيقي المهندس المتمرس (السيد محمود الهاشمي) بتاريخ 13 / 4 / 2006. وبعد أسبوعين فقط من ذلك التاريخ استشهدت شقيقتي (ميسون الهاشمي) بتاريخ (27/4/2006). لأبدأ مشواري كمسؤول في الدولة بهذه التضحيات التي أنعم الله عليَّ بها. لقد شعرت بعد استشهادهم بهويتي العراقية واندماجي بالعراقيين أكثر وأكثر، فهذا هو شقيقي الأصغر الشهيد (محمود) يلتحق بركب الشهداء مثل كل الشباب الذين اختطفتهم قوى الظلام. وتلك هي الشهيدة (ميسون) الساعية على الأرملة والمسكين تستشهد على يد المجرمين مثل أي مواطنة عراقية بسيطة خرجت لتشتري لأطفالها حاجاتهم فلم تعد إليهم باسمة كما خرجت، بل عادت مضرجة بدمائها تشكو إلى بارئها الظلم الذي وقع على العراقيين دون جريرة أو ذنب أو مسوغ يبرر سفك دمائهم.
وفي 6/10/ 2006، وفي شهر رمضان المبارك، كنت على موعد مع الجائزة الثالثة إذ استشهد شقيقي البطل (الفريق أول عامر الهاشمي) في بيته، بعد استبسال في مواجهة القتلة بسلاحه الشخصي، ليلقى الله شهيداً بذات الطريقة التي استشهد بها مئات الضباط والطيارين العراقيين في بيوتهم على أيدي ميليشيات الاغتيال المنظم. آثرت أن لا أتحرى عن قتلة أشقائي لأنتقم لهم، كي لا أكون سبباً في نشر ثقافة الانتقام والثأر. كممت جراحي محتسباً أمري عند الله، وتركت الأمر للسلطات المسؤولة والقضاء، وانطلقت متأبطاً أجندة الوطن، حاملاً هموم أهلي، مشتبكاً مع ملفات وطنية صعبة، باحثاً عن الحل والخلاص.
أنا وجبهة التوافق.. خيار مرحلة انتهت
كانت (جبهة التوافق العراقية) بالنسبة لي خياراً سياسياً في مرحلة معينة لها ظروفها واعتباراتها واستحقاقاتها، ولم تكن في يوم من الأيام عقيدة لا أتخلى عنها، أو خندقاً أبدياً أتخندق فيه، بل كانت خياراً سياسياً مناسباً لتلك المرحلة، أما اليوم فالعراقيون بحاجة إلى مشروع جديد، يستند إلى مقاربة سياسية تناسب الظرف الراهن، وتدفع باتجاه تطوير مشروع بديل، يستوعب حالة تزايد الوعي الوطني لدى العراقيين، واستشعارهم بعراقيتهم، وإدراكهم بأهمية تحقيق الاندماج والتماسك الاجتماعي، والوحدة، والتعايش الأخوي.
مرارةالتجربة ووضوح الهدف
وخلال أربع سنوات، عملت فيها نائباً لرئيس الجمهورية في ظروف صعبة عاشها العراق، ومرت عليه خلالها أيام الطائفية المقيتة التي جاءت كسحابة سوداء، لطخت وجه حبيبنا العراق الباسم وثوبه الأبيض، عشناها بآلامها جميعاً مكرهين، تيقنت بعد هذه التجربة المريرة أن الحال إذا استمر على ما هو عليه فإن الوطن ماضٍ نحو الزوال، وأن لا بد من صحوة بعد غفلة، ولا بد من مراجعة شاملة لما حصل وما قد يحصل، وتوصلت بعد طول تفكير إلى أن لا مخرج للعراق أبداً إلا إذا عاد العراقيون إلى انتمائهم الوطني العراقي، واعترفوا بعراقيتهم الأصيلة بلا شروط، وجمعهم معيار واحد فقط للانتماء هو معيار المواطنة، وحمل شهادة الجنسية العراقية. حين يعود العراقي عراقياً مجرداً من عباءات فئوية وسرابيل طائفية حولتنا إلى أضداد وأعداء وخصوم حينها فقط يعود العراق قوياً متماسكاً معافى. ففي عام 2007 بدأت معالم مشروع وطني تسيطر على تفكيري منطلقاً من مبدأ أن العراق لا يمكن أن ينهض من محنته دون أن نكسر سجن المكونات، ونخرج من خندق الطائفية، ونتحرر من زنزانة الفئوية، كي نستعيد العراق، وكي نسترد الوطن، دون المساس بأدياننا ومذاهبنا وقومياتنا وأعرافنا وتقاليدنا وخصوصيات ثَقافاتنا، فهي محترمة مصانة في ظل دولة المواطنة.
العقد الوطني.. بداية مشوار
ذلك التفكير العميق والتجربة العملية دفعاني إلى تقديم مشروع (العقد الوطني العراقي) في عام 2007، بعد أن تعززت القناعة لدي أن العراقيين بأديانهم ومذاهبهم وقومياتهم هم شعب واحد، ومكون سكاني موحد، له خصوصيته بين الشعوب، ويفخر بتنوعه، وتعدديته الدينية والمذهبية والقومية والسياسية المصانة والمحترمة، ولا يمكن السماح بتقسيمه إلى طوائف متناحرة ومكونات متخاصمة، وخنادق متقابلة وأقطاب متنافرة، تجعل العراق غنيمة يتصارع المتخاصمون على أخذ الحصة الأكبر منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
واستخلصت من كل هذا أن العراق لا يمكن أن يبنى ويعمر، ويعيش أهله بسلام ورخاء، وينعم بخيراته وثرواته إلا ببناء (دولة المواطنة) التي تحترم الجميع، والتخلص والتحرر في ذات الوقت من (دولة المكونات) التي تؤذي وتهين الجميع، فنضجت لدي الفكرة، وحزمت أمري على تقديم مشروع وطني متكامل يعتمد على إلغاء (دولة المكونات) وبناء وترسيخ (دولة المواطنة) لاستعادة الإنسان العراقي من أسر الطائفة وتحريره من العبودية للمكوِّن ليجمع العراقيين عراقيتهم وحدها لا غير.
الانطلاق.. من ضيق الحزبية إلى رحاب الوطن
وقتها علمت أن عليَّ أولاً التحرر من التحزب، والخروج من العمل الحزبي الضيق إلى فضاء العراق الواسع، و فعلا فعلت، إذ قدمت طلب إعفائي من منصب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، تمهيداً لاستقالة كنت قد أعددتها مسبقاً كي لا أحرج الحزب في البحث عن بديل مناسب ليتحمل أعباء القيادة، وحسناً فعلوا باختيار الدكتور أسامة التكريتي خلفاً لي، وفي 24 مايس 2009 قدمت استقالتي من الحزب كي أتفرغ للمشروع الوطني. وها أنا اليوم أكثر تحرراً، أكثر قرباً من أهلي، أكثر استشعاراً لمشاكلهم جميعاً، نظرتي للعراق وأهله أصبحت أوضح، كما أن تشخيصي للخلل أصبح أكثر دقة والمتمثل في المحاصصة الطائفية، وتكريس نظرية دولة المكونات، والتنكر لنموذج دولة المواطنة.
العراقية.. تحالف بطعمالوطن
واليوم، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، يشرفني أن أتحمل مسؤولية المشاركة في تأسيس تحالف وطني نوعي واسع، يمثل بديلاً عراقياً للمشاريع الدخيلة والطارئة، وسبيلاً لإنقاذ الوطن من مأزقه، يهدف إلى انجاز التحول من الطائفية والفئوية إلى دولة المواطنة والمؤسسات ومجتمع التسامح والتعايش. أعلنا عنه في 16 كانون الثاني 2010 بإشهار كتلة "العراقية". وآمل أن تطلعوا على فلسفة المشروع وبرنامجه، ومبادئه وأهدافه ووسائله، وقادته المؤسسين، وكياناته المؤتلفة. وتشاركونا آراءكم، لنرسم معاً مستقبل بلدنا، ونخرج بالعراق من عنق الزجاجة، لنبني وطناً يملؤه الوئام والتلاحم والتماسك.
وأدعو الله أن يجعل هذا المشروع سبباً في استعادة الوطن، واسترداد العراق من براثن الطائفية والتمزق والانقسام، فأمامنا جميعاً شوط طويل، سنقطعه معاً بعون الله وتوفيقه.
كانت هذه وقفات سريعة مختصرة من حياتي، كتبتها لأكون قريباً من أهلي، بماضيي وحاضري ومستقبلي الذي نذرته لخدمتهم جميعاً، والله على ما أقول شهيد.
مرشحكم عن (العراقية) 333 لمحافظة بغداد بالرقم (15)
عراقي من هذه الأرض
اسمي (طارق أحمد بكر الهاشمي)، مواطن عراقي، عربي مسلم، حسيني النسب، يرتبط بسيدنا الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهم وأرضاهم آل البيت الأطهار. لم أكن أسمع الناس تنادي والدي إلا بـ (سيد أحمد)، وهكذا تعارف الأصحاب والجيران على مناداتي بـ (السيد). أنعم الله عليَّ وعلى أجدادي بالانتماء لهذا الوطن، والانتساب لهذه الأرض جذوراً ونشأة وهوية وفخراً، ولدت ببغداد دار السلام، في واحدة من محلاتها القديمة هي (البارودية) عام 1942م. وظيفتي الحالية هي: (نائب رئيس جمهورية العراق)، وانتمائي السياسي هو: مستقل إلا عن حب الوطن. أؤمن بأن العدل أساس الحكم، وأن وحدة العراق في توظيف تنوعه لترميم حاضره وبناء مستقبله، وأن العراقيين شعب واحد، وأنهم تحت خيمة المواطنة وأمام القانون سواسية، لا فضل لعراقي على آخر إلا بقدر حبه وإخلاصه لبلده.
يشرفني أن أنتمي لعائلة عربية محافظة، تنتمي إلى الطبقة الوسطى، خدمتْ هذا الوطن مبكراً، وساهمت بجدٍ في بناء صرحه الشامخ، ساهمت في تأسيس الدولة العراقية الحديثة. إذ تقلد والدي منصباً حكومياً رفيعاً حتى عام 1957، ومن أعمامي المغفور له بإذن الله الأستاذ محمود الهاشمي مدرس الملك غازي في مادة التاريخ.
كما أن خال والدي المرحوم ياسين الهاشمي كان رئيساً لوزراء العراق لفترات متعاقبة حتى عام 1936، إضافة إلى المرحوم طه الهاشمي المشرف على الملك غازي عندما كان يافعاً ثم أصبح وزيراً مخضرماً للدفاع لفترات متعاقبة أيضاً، ومن ثم أصبح رئيساً للوزراء عام 1941، ثم رئيساً لمجلس الاعمار حتى عام 1958، وها أنا اليوم سليل هذه العائلة العراقية كلفت بمهام (نائب رئيس جمهورية العراق) لأكمل مسيرة أهلي في خدمة العراق العزيز.
للعراق أنتمي ومن أجله أضحي
أما الطائفية أو الطائفية السياسية فلم أؤمن بها يوماً، ولم أحمل في صدري ضغينة على عراقي يوماً بسبب انتمائه الديني أو المذهبي أو القومي أو السياسي، فكلنا عراقيون وهذا وطننا، وليس لأحدٍ أن يسلب حق أحدٍ في العراق. وعائلتي مثل كل العوائل العراقية، تضم أنساباً وأرحاماً من كل عشائر ومذاهب العراق، فزوج شقيقتي الكبرى المرحومة (نجاة الهاشمي)، مهندس الري الطموح، كان من عشائر (الدغارة) في محافظة (القادسية). عاشا سوية، وغادرا الدنيا سوية، وامتزجت دماؤهما في حادث طريق عام 1958.
هكذا كان العراق بقوة تماسكه، وهكذا كان أهله في أيام خلت.. ويا ليته لا يزال..
طموح على صهوة فرس
تخرجت من الإعدادية المركزية عام 1959 لأحقق طموحي في الالتحاق بالكلية العسكرية التي تخرجت منها عام 1962 ضابطاً في القوات المسلحة العراقية الباسلة برتبة (ملازم ثاني) في صنف الدروع. وفي رحاب المؤسسة العسكرية العراقية العريقة تسلحت بالقيم والمعارف العسكرية والقيادية، وصقلت مهاراتي فيها كعراقي فخور بتأدية واجبه، فتفوقت بحمد الله في العديد من الدورات الأساسية في العراق تم على إثرها ترشيحي لدورة معلمي الأسلحة البريطانية في (معسكر لالوورث في بريطانيا) عام 1966، ودورة الأسلحة في جيكوسلوفاكيا عام 1968، ودورة الضباط الأقدمين في الهند عام 1974.
وفي حضن الجيش العراقي، مدرسة الأبطال ومصنع الرجال، تعلمت أن تراب الوطن الغالي الذي ندافع عنه واحد لا يتجزأ، وأن ذمة العراقيين وأرواحهم ومصالحهم في رقابنا.
واليوم أخوض المعترك السياسي كما عشت في الحياة العسكرية بالأمس، وفي الحياة المدنية كما في الجيش، يحكمني ذات نهج الفداء ومنطق التضحية الذي تعلمته كجندي في تعاملي مع وطني، متمثلاً في علاقتي مع العراق وسيادته ومصالحه الإستراتيجية قول الشاعر:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في الترابدفيناً
عراقية ساندتني وشدت من أزري
عام 1971 تزوجت من فتاة عراقية لتكون شريكة حياتي وأم أبنائي، كان لدخولها حياتي الأثر الكبير، إذ كانت هذه الإنسانة النبيلة بحق "گصة خير علية" كما يقول العراقيون في لهجتهم المحببة، إذ كنت قد حصلت عام 1969 بالدراسة المسائية على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة المستنصرية، وبعد خطبتي لأم زياد مباشرة تم قبولي في كلية الأركان العراقية ـ حلمي الذي بدا لي مستحيلاً ـ إذ كان من الصعب جداً أن يدخل إلى هذه الكلية غير المنتمين لحزب البعث، ولأنني كنت مستقلاً حينها كان أمر قبولي فيها ضرباً من الخيال، إلا أن تفوقي المتميز في امتحان القبول وخدمتي الحسنة في الجيش وسمعتي، كانت رأس مالي ومفتاح الخير الذي رافقني بفضل الله في حياتي، فدرست في كلية الأركان حتى حصلت على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1971 بدرجة (أ) وحصلت بموجبها على قِدَم لمدة سنتين.
من الدفاع عن الوطن إلى تنميته
تقاعدت عام 1975 من الخدمة في الجيش برتبة (مقدم ركن) في إطار خطة السلطة آنذاك، القاضية بحصر مناصب الأركان في الجيش العراقي بأعضاء حزب البعث الحاكم. وهكذا أصبح ترك الخدمة في الجيش خياراً لا مفر منه، و عليه تقدمت عام 2004 بطلب انصافي الى لجنة عراقية متخصصة درست اوراقي و ملفاتي ووثائقي ووجدت ان احالتي على التقاعد في وقت مبكر عام 1975 كان لاسباب سياسية و على هذا الاساس قررت اللجنة اعتبار السنوات التي تلت التقاعد هي سنين خدمة و لذلك تمت ترقيتي من رتبة مقدم ركن الى رتبة لواء ركن و هي رتبتي الحالية، ألفت في سنين خدمتي بالجيش 13 كتابا اختصت جميعها في الامور العسكرية و اسلحة الدبابات و فنون الرماية و كيفية التعبئة والتاريخ العسكري.
بعد العسكرية لم تتوقف مسيرة حياتي، بل كيفتها عاجلاً صوب الحياة المدنية، وعدت ثانية لمقاعد الدراسة، إذ قررت أن أكمل دراستي العليا في جامعة بغداد لأحصل على درجة الماجستير في الاقتصاد إيماناً مني بأن تطوير الاقتصاد في الحياة المدنية يقابل الدفاع عن الوطن في الحياة العسكرية. ولا زلت أؤمن بأن حل الكثير من مشاكلنا السياسية والأمنية اليوم يأتي في المقام الأول بالتنمية الاقتصادية، وعن طريق توفير فرص العمل للعاطلين، وتحسين ظروف الحياة. فحصلت على الماجستير عام 1978 بدرجة (امتياز)، وكانت رسالتي لنيلها في موضوع (العلاقة بين التنمية الاقتصادية والدفاع الوطني).
من مقعد الدراسة إلى ميدان العمل
بعد حصولي على الماجستير مباشرة حصلت على وظيفة (مدير فرع العراق) في شركة الملاحة العربية المتحدة، نقلت بعدها إلى المقر الرئيسي في دولة الكويت مديراً عاماً لتسويق الخليج بعد نجاحي في جمع وإعادة نقل البضائع والحمولات العراقية التي تبعثرت في مختلف موانئ العالم بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية عام1981، وهو ما اعتبرته إدارة الشركة عملاً متميزاً قررت بموجبه ترقيتي لأتولى إدارة منطقة الشرق الأوسط كنائب لرئيس الشركة. عشت في الغربة مع عائلتي المكونة من زوجتي (أم زياد) وخمس أبناء (ثلاثة أولاد وبنتين)، وبقيت بعيداً عن أرض الوطن مدة تقارب عشر سنوات حتى عام 1990، ورغم الحياة الهانئة إلا أن الحنين إلى الوطن كان يشدني دائماً، وكان مشروع العودة إلى بغداد يسيطر على كياني وتفكيري. ولم تتوفر الفرصة للعودة إلى الوطن إلا بعد أحداث الكويت.
حين خسرت الدكتوراه وربحت العراق
كنت قد سجلت في عام 1988 على دراسة الدكتوراه في الاقتصاد لدى جامعة (بليموث) البريطانية، إلا أنها ألغيت عام 1991 بسبب الحرب على العراق الحبيب، إذ حرمت من مناقشة أطروحة الدكتوراه بعد أن رفضت السلطات البريطانية منحي سمة الدخول وهكذا كانت تتعامل مع أغلب العراقيين بعد أحداث الكويت عام 1990.
في عام 1991، عدت إلى العراق، وعشت مع أهلي أيام الحرب الصعبة. وبقيت فيه ولم أغادره، أو أهاجر بحثاً عن حياة أفضل لعائلتي، بالرغم من الفرص المغرية التي كانت متاحة لي للهجرة، بل قررت أن أعيش مع بلدي مصابه، وأستشعر ألمه، و أكون قريباً منه.
عاصرت وعايشت مع أهلي الحصار الاقتصادي، وأعلم جيداً ما تحويه مفردات الحصة التموينية التي كنت استلمها مثل أي عراقي مدة الحصار كاملة والتي تزيد على (12) سنة، كما عشت ساعات قطع التيار الكهربائي لساعات طوال كحال أهلي من العراقيين، وأتذكر أن جدول القطع آنذاك كان (6 ساعات وطني بثلاث ساعات قطع!)، وكم كانت طويلة ومرهقة أعان الله العراقيين هذه الأيام إذ تمتد ساعات القطع وتطول.
استقرت حياتي مع أهلي في العراق إذ مارست الأعمال الحرة كرجل أعمال مثل كثير من الضباط المتقاعدين، وأحمد الله أني عشت حينها في بلدي، وعانيت مع من عانوا، لاستشعر الألم، والحرمان، مما جعلني اليوم وأنا في سدة الحكم والسلطة، أكثر قدرة على استشعار ألم المواطن ومعاناته، والمحنة التي يمر بها.
واصلت حياتي هكذا، وعشت مع أهلي في بغداد أيام الحرب على العراق عام 2003، التي كانت بمثابة تجربة جديدة في العيش تحت النار بعد تجربة الحرب على العراق عام 1991. وما أن وضعت المعركة الأخيرة أوزارها حتى انطلقت في النشاط السياسي.
موعد مع السياسة
كنت بعد تقاعدي من الجيش قد انضممت إلى (الحزب الإسلامي العراقي) عام 1975، باعتباره المكان الطبيعي في تلك الفترة لشخص مثلي ينتمي إلى عائلة جمعت بين التدين المعتدل والمشاركة في بناء الدولة. وفي عام 2004 انتخبت في مجلس شورى الحزب أميناً عاماً له، ولم أكن راغباً في ذلك أو متطلعاً إليه أو حتى متوقعاً له.
لقد وافقت على أن أتولى قيادة الحزب في ظروف استثنائية صعبة، بعد أن شعرت بأن هذا هو قدري، وما عليَّ إلا أن أستجيب، ولم يكن أمامي من خيار آخر. لم يكن الأمر سهلاً، وتوجب عليَّ إعادة ترتيب حياتي مجدداً، وأوقفت كل نشاط خاص من أجل أن أكرس جهدي وطاقاتي ومهاراتي لمهمتي الجديدة. وقد كان قراراً صعباً غيَّر من نمط حياتي وحياة عائلتي.
حينها أدركت أن مسؤوليتي الوطنية تتركز في العمل جاهداً على تحقيق مشاركة واسعة وفعالة مع كل العراقيين في العملية السياسية حتى نتمكن من حماية وصيانة التماسك الاجتماعي، وبناء الدولة العراقية وفق النموذج الوطني الذي نختاره نحن العراقيون. وتحملت صابراً محتسباً مسؤولية جملة من القرارات المصيرية الصعبة على الصعيد السياسي. وفي انتخابات كانون الأول 2005 وبعد حملة انتخابية قدتها في (جبهة التوافق العراقية) حصلنا بموجبها على (44) مقعداً في مجلس النواب العراقي، وانتخبت نائباً في المجلس عن بغداد الحبيبة، ومن ثم رشحتني الجبهة لمنصب (نائب رئيس جمهورية العراق) في 22 نيسان 2006.
بين تشريف الشهادةوتكليف المسؤولية
قبل أسبوع واحد من تسنمي مسؤولياتي الدستورية نائباً لرئيس الجمهورية شرفني الله باستشهاد شقيقي المهندس المتمرس (السيد محمود الهاشمي) بتاريخ 13 / 4 / 2006. وبعد أسبوعين فقط من ذلك التاريخ استشهدت شقيقتي (ميسون الهاشمي) بتاريخ (27/4/2006). لأبدأ مشواري كمسؤول في الدولة بهذه التضحيات التي أنعم الله عليَّ بها. لقد شعرت بعد استشهادهم بهويتي العراقية واندماجي بالعراقيين أكثر وأكثر، فهذا هو شقيقي الأصغر الشهيد (محمود) يلتحق بركب الشهداء مثل كل الشباب الذين اختطفتهم قوى الظلام. وتلك هي الشهيدة (ميسون) الساعية على الأرملة والمسكين تستشهد على يد المجرمين مثل أي مواطنة عراقية بسيطة خرجت لتشتري لأطفالها حاجاتهم فلم تعد إليهم باسمة كما خرجت، بل عادت مضرجة بدمائها تشكو إلى بارئها الظلم الذي وقع على العراقيين دون جريرة أو ذنب أو مسوغ يبرر سفك دمائهم.
وفي 6/10/ 2006، وفي شهر رمضان المبارك، كنت على موعد مع الجائزة الثالثة إذ استشهد شقيقي البطل (الفريق أول عامر الهاشمي) في بيته، بعد استبسال في مواجهة القتلة بسلاحه الشخصي، ليلقى الله شهيداً بذات الطريقة التي استشهد بها مئات الضباط والطيارين العراقيين في بيوتهم على أيدي ميليشيات الاغتيال المنظم. آثرت أن لا أتحرى عن قتلة أشقائي لأنتقم لهم، كي لا أكون سبباً في نشر ثقافة الانتقام والثأر. كممت جراحي محتسباً أمري عند الله، وتركت الأمر للسلطات المسؤولة والقضاء، وانطلقت متأبطاً أجندة الوطن، حاملاً هموم أهلي، مشتبكاً مع ملفات وطنية صعبة، باحثاً عن الحل والخلاص.
أنا وجبهة التوافق.. خيار مرحلة انتهت
كانت (جبهة التوافق العراقية) بالنسبة لي خياراً سياسياً في مرحلة معينة لها ظروفها واعتباراتها واستحقاقاتها، ولم تكن في يوم من الأيام عقيدة لا أتخلى عنها، أو خندقاً أبدياً أتخندق فيه، بل كانت خياراً سياسياً مناسباً لتلك المرحلة، أما اليوم فالعراقيون بحاجة إلى مشروع جديد، يستند إلى مقاربة سياسية تناسب الظرف الراهن، وتدفع باتجاه تطوير مشروع بديل، يستوعب حالة تزايد الوعي الوطني لدى العراقيين، واستشعارهم بعراقيتهم، وإدراكهم بأهمية تحقيق الاندماج والتماسك الاجتماعي، والوحدة، والتعايش الأخوي.
مرارةالتجربة ووضوح الهدف
وخلال أربع سنوات، عملت فيها نائباً لرئيس الجمهورية في ظروف صعبة عاشها العراق، ومرت عليه خلالها أيام الطائفية المقيتة التي جاءت كسحابة سوداء، لطخت وجه حبيبنا العراق الباسم وثوبه الأبيض، عشناها بآلامها جميعاً مكرهين، تيقنت بعد هذه التجربة المريرة أن الحال إذا استمر على ما هو عليه فإن الوطن ماضٍ نحو الزوال، وأن لا بد من صحوة بعد غفلة، ولا بد من مراجعة شاملة لما حصل وما قد يحصل، وتوصلت بعد طول تفكير إلى أن لا مخرج للعراق أبداً إلا إذا عاد العراقيون إلى انتمائهم الوطني العراقي، واعترفوا بعراقيتهم الأصيلة بلا شروط، وجمعهم معيار واحد فقط للانتماء هو معيار المواطنة، وحمل شهادة الجنسية العراقية. حين يعود العراقي عراقياً مجرداً من عباءات فئوية وسرابيل طائفية حولتنا إلى أضداد وأعداء وخصوم حينها فقط يعود العراق قوياً متماسكاً معافى. ففي عام 2007 بدأت معالم مشروع وطني تسيطر على تفكيري منطلقاً من مبدأ أن العراق لا يمكن أن ينهض من محنته دون أن نكسر سجن المكونات، ونخرج من خندق الطائفية، ونتحرر من زنزانة الفئوية، كي نستعيد العراق، وكي نسترد الوطن، دون المساس بأدياننا ومذاهبنا وقومياتنا وأعرافنا وتقاليدنا وخصوصيات ثَقافاتنا، فهي محترمة مصانة في ظل دولة المواطنة.
العقد الوطني.. بداية مشوار
ذلك التفكير العميق والتجربة العملية دفعاني إلى تقديم مشروع (العقد الوطني العراقي) في عام 2007، بعد أن تعززت القناعة لدي أن العراقيين بأديانهم ومذاهبهم وقومياتهم هم شعب واحد، ومكون سكاني موحد، له خصوصيته بين الشعوب، ويفخر بتنوعه، وتعدديته الدينية والمذهبية والقومية والسياسية المصانة والمحترمة، ولا يمكن السماح بتقسيمه إلى طوائف متناحرة ومكونات متخاصمة، وخنادق متقابلة وأقطاب متنافرة، تجعل العراق غنيمة يتصارع المتخاصمون على أخذ الحصة الأكبر منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
واستخلصت من كل هذا أن العراق لا يمكن أن يبنى ويعمر، ويعيش أهله بسلام ورخاء، وينعم بخيراته وثرواته إلا ببناء (دولة المواطنة) التي تحترم الجميع، والتخلص والتحرر في ذات الوقت من (دولة المكونات) التي تؤذي وتهين الجميع، فنضجت لدي الفكرة، وحزمت أمري على تقديم مشروع وطني متكامل يعتمد على إلغاء (دولة المكونات) وبناء وترسيخ (دولة المواطنة) لاستعادة الإنسان العراقي من أسر الطائفة وتحريره من العبودية للمكوِّن ليجمع العراقيين عراقيتهم وحدها لا غير.
الانطلاق.. من ضيق الحزبية إلى رحاب الوطن
وقتها علمت أن عليَّ أولاً التحرر من التحزب، والخروج من العمل الحزبي الضيق إلى فضاء العراق الواسع، و فعلا فعلت، إذ قدمت طلب إعفائي من منصب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، تمهيداً لاستقالة كنت قد أعددتها مسبقاً كي لا أحرج الحزب في البحث عن بديل مناسب ليتحمل أعباء القيادة، وحسناً فعلوا باختيار الدكتور أسامة التكريتي خلفاً لي، وفي 24 مايس 2009 قدمت استقالتي من الحزب كي أتفرغ للمشروع الوطني. وها أنا اليوم أكثر تحرراً، أكثر قرباً من أهلي، أكثر استشعاراً لمشاكلهم جميعاً، نظرتي للعراق وأهله أصبحت أوضح، كما أن تشخيصي للخلل أصبح أكثر دقة والمتمثل في المحاصصة الطائفية، وتكريس نظرية دولة المكونات، والتنكر لنموذج دولة المواطنة.
العراقية.. تحالف بطعمالوطن
واليوم، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، يشرفني أن أتحمل مسؤولية المشاركة في تأسيس تحالف وطني نوعي واسع، يمثل بديلاً عراقياً للمشاريع الدخيلة والطارئة، وسبيلاً لإنقاذ الوطن من مأزقه، يهدف إلى انجاز التحول من الطائفية والفئوية إلى دولة المواطنة والمؤسسات ومجتمع التسامح والتعايش. أعلنا عنه في 16 كانون الثاني 2010 بإشهار كتلة "العراقية". وآمل أن تطلعوا على فلسفة المشروع وبرنامجه، ومبادئه وأهدافه ووسائله، وقادته المؤسسين، وكياناته المؤتلفة. وتشاركونا آراءكم، لنرسم معاً مستقبل بلدنا، ونخرج بالعراق من عنق الزجاجة، لنبني وطناً يملؤه الوئام والتلاحم والتماسك.
وأدعو الله أن يجعل هذا المشروع سبباً في استعادة الوطن، واسترداد العراق من براثن الطائفية والتمزق والانقسام، فأمامنا جميعاً شوط طويل، سنقطعه معاً بعون الله وتوفيقه.
كانت هذه وقفات سريعة مختصرة من حياتي، كتبتها لأكون قريباً من أهلي، بماضيي وحاضري ومستقبلي الذي نذرته لخدمتهم جميعاً، والله على ما أقول شهيد.
مرشحكم عن (العراقية) 333 لمحافظة بغداد بالرقم (15)
- angelالمدير العام
- عدد المساهمات : 8871
نقاط : 14094
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
الموقع : عمان
المزاج : إذا ضبطت نفسك متلبساً بالغيرة "على " إنسان ما فتفقد أحاسيسك جيداً فقد تكون في حالة " حب " وأنت "لا تعلم"..
رد: سيرة طارق الهاشمي
الإثنين ديسمبر 19, 2011 10:39 pm
سيرة طارق الهاشمي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى