- ابو ادممشرف عام
- عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 45
الموقع : google
المزاج : مصدهج
تاريخ الدوله العباسية 8
الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:24 am
نفوذ السلاجقة في عهد الخلافة العباسية
وصول آل سلجوق إلى السلطنة
يعود أصل آل سلجوق إلى الغز من الترك وهي عشيرة كانت تقيم في بلاد تركستان تحت حكم ملك الترك.
السلاجقةتنسب إلى سلجوق بن تقاق توفي عن عمر 170 سنة، ظهرت عليه علامات النجابة فقربه ملك الترك إليه ثم خافَه وأحس سلجوق بذلك فجمع عشيرته وهاجر إلى ديار الإسلام واعتنق الإسلام وصار يشن غارات على بلاد الترك واستعان السامانيون بسلجوق في رد غارات الترك على بلادهم.
استمر الحال حتى كان من أحفاده طغرل بك محمد، وداود جعفر بك، اللذين أصبح لهما السلطان بعد ذلك على عشيرتهما فانتقلا بمن معهما إلى قرب بخاري، حيث أقاموا هناك، ولكن أمير بخاري خافهما فسارا إلى تركستان عند ملكها بوغراخان، ثم حدث بينهم خلاف انتهى باعتقال طغرل بك، ولكن داود استطاع أن يداهم بوغراخان ويستنقذ أخاه طغرل بك، ثم انتقلوا إلى بلاد الدولة السامانية حيث استقروا هناك، ولكن الدولة السامانية كانت في آخر أيامها، وقد برزت قوة جديدة هي قوة الغزنويين فاصطدموا معهم... وانتهى الصدام بًاسر أرسلان سلجوق عم طغرل بك، ثم حدث صلح بين السلاجقة والغزنويين، بحيث تولى عماد السلاجقة إمرة بعض المدن والمناطق وأطلق سراح عمهم أرسلان.
وفي سنة 429هـ رجع الخلاف بين الغزنويين والسلاجقة وتمكن طغرل بك أن يستولي على مرو، وذكروا اسمه في خطبة الجمعة باسم ملك الملوك.
وفي سنة 432هـ استولى طغرل بك على نيسابور وعلى جرجان وطبرستان، ثم في سنة 433هـ ضم كرمان وبلاد الديلم.
وفي سنة 434هـ استولى على خوارزم، وانتقل الصراع فأصبح مع البويهيين، فدخل طغرل بك أصبهان، ثم تم الاتفاق معهم وتزوج طغرل بك ابنة أبى كاليجار البويهي، كما تزوج أبو منصور ابن أبي كاليجار ابنة داود أخو طغرل بك سنة 439هـ.
انتقل طغرل بك إلى الصراع مع الروم فقاتلهم وانتصر عليهم، وعقد معهم هدنة، واشترط فيها أن يبني مسجد بالقسطنطينية فبنوه، وأقيمت فيه الصلاه وخطب لطغرل بك فيه.
تقاسم السلاجقه البلاد الواسعة التي بحوزتهم فيما بينهم، وانتخب ملكًا عليهم جميعًا طغرل بك، ولم يكن له أولاد واتخذ مدينة الري حاضرة له، وقد اختير ابن اخيه ألب أرسلان بن داود ليكون مع عمه طغرل بك مساعدًا له، ونتيجة ما قدَّم طغرل بك من خدمات ونتيجة مراسلاته مع الخليفة فقد ذكر اسمه في الخطبة وعلى السكة قبل السلطان البويهي، ثم استأذن طغرل بك على الخليفة القائم ودخل مدينة بغداد سنة 447هـ، وطلب الخليفة القائم من السلطان البويهي أن يتبع ويخضع لطغرل بك، وبذا انتهى عهد البويهيين وجاء دور السلاجقة.
كان الخليفة قد تزوج خديجة بنت داود أخي طغرل بك سنة 454هـ، ثم خطب طغرل بك ابنة الخليفة وتزوجها بعد امتناع من الخليفة، واتجه طغرل بك إلى الري فمرض في الطريق، ثم توفي سنة 455هـ بعد أن وصل إلى الري.
لقد استطاعت هذه العشيرة أن تستولي على جُلِّ ما ملكه المسلمون، وقد انقسمت إلى خمسة بيوت.
صراع الشيعة والسنة
في صفر سنة 443هـ وقعت حرب بين الشيعة والسنة، فقتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الشيعة نصبوا أبراجًا وكتبوا عليها بالذهب: (محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبي فقد كفر). فأنكرت السنة إقران على مع محمد في هذا، فنشبت الحرب بينهم واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، وأحرقت قبور بني بويه وقبر جعفر بن المنصور، ومحمد الأمين، وأمه زبيدة، وقبور كثيرة جدًّا، وانتشرت الفتنة وتجاوزوا الحدود، وقد قابلهم أولئك الرافضة الشيعة أيضًا بمفاسد كثيرة، وبعثروا قبورًا قديمة وأحرقوا من فيها من الصالحين، وكادوا أن يحرقوا قبر الإمام أحمد، وتسلط على الرافضة عيار يقال له القطيعي، وكان يتبع رءوسهم وكبارهم فيقتلهم جهارًا وغيلة، وعظمت المحنة بسببه جدًّا، ولم يقدر عليه أحد، وكان في غاية الشجاعة والبأس والمكر.
استمر الحال حتى سنة 448هـ، وهي السنة التي بدأ فيها ملك آل سلجوق.
يقول ابن كثير: "...وفي هذه السنة ألزم الروافض بترك الأذان (بحي على خير العمل) وهي بدعة أحدثوها، وأمروا أن ينادى مؤذنهم في أذان الصبح، بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، وأزيل ما كان على المساجد من كتابة: (محمد وعلي خير البشر)، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ (الكرخ معقل الرافضة) ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة، وقد كانوا لا يستطيعون ذلك؛ لأن بني بويه كانوا حكامًا، وكانوا يقوون الشيعة وينصرونهم، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم، وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم والله المحمود، أبدًا على طول المدى".
فتنة البساسيري
ظهرت فتنة عظيمة سنة 450هـ، وهي محاولة الفاطميين الاستيلاء على بغداد، ونفي الخليفة العباسي إلى حديث عانة بمساعدة أرسلان أبو الحارس البساسيري التركي.
كان البساسيري من مماليك بهاء الدولة، وكان أولاً مملوكًا لرجل من أهل مدينة بسا، فنسب إليها فقيل له البساسيري، وتلقب بالملك المظفر ثم كان مقدمًا كبيرًا عند الخليفة القائم بأمر الله، لا يقطع أمرًا دونه، وخطب له على منابر العراق كلها، ثم طغى وبغى وتمرد، وخرج على الخليفة والمسلمين، وفي هذه الفترة كان هناك نزاع بين الملك طغرل بك وأخيه إبراهيم، في نفس الوقت كان البساسيري هذا ومعه قريش بن بدران أمير العرب يتوجهان إلى الموصل، ونجحا في أخذها.. فسار إليها طغرل بك سريعًا فاستردها، وهربا منه فتبعهما إلى نصيبين، وهرب إبراهيم أخو طغرل إلى همذان وعصى عليه، فسار طغرل وراء أخيه وترك عساكره وراءه، فتفرقوا وقلَّ من لحقه منهم.
انتهز البساسيري هذه الفرصة وقصد بغداد وليس بها أحد من المقاتلة، ولما علم الناس بقدومه تنادى الناس: من أراد الرحيل من بغداد فليرحل، فانزعج الناس وبكى الرجال والنساء والأطفال.. حتى إن الخليفة نفسه قد هم بالرحيل ولكنه آثر البقاء في قصره مع النصح له بأن الأفضل أن يرحل لعدم المقاتلة.. حتى كان يوم 8 من ذي القعدة سنة 450هـ جاء البساسيري إلى بغداد، ومعه الرايات البيض المصرية، وعلى رأسه أعلام مكتوب عليها اسم الخليفة الفاطمي، فتلقاه الشيعة أهل الكرخ، وجمع البساسيري اللصوص ومنّاهم بنهب دار الخليفة، ونَهَب الشيعة دور أهل السُّنَّة، وأعيدت عادات الشيعة وبدعهم.. ووجد الخليفة نفسه محاصرًا وحوله زمرة قليلة من العباسيين، فطلب الأمان من أمير العرب قريش فأمّنه.
ولما علم بذلك البساسيري اغتاظ ولامه لومًا عنيفًا على إعطائه الأمان للخليفة، ثم اتفقا على إخراج الخليفة من بغداد إلى أمير حديثة عانة[1]، وهو مهارش بن مجلي الندوي وهي من بني عم قريش بن بدران، وعبثًا ألح الخليفة على قريش أن لا يخرجه من بغداد فلم يفد ذلك شيئًا، وأخرج الخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش عامًا كاملاً، وليس معه أحد من أهله وذلك في ذي القعدة سنة 450هـ.
وأمر البساسيري بالخطبة للخليفة المصري، والروافض في غاية السرور وانتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقامًا عظيمًا.
القضاء على البساسيري
ودخلت سنة 451هـ والحال على ما هي عليه، بيد أن السلطان طغرل قد انتهى من منازعة أخيه إبراهيم وقتله، وتفرغ للقضاء على البساسيري. فأرسل إلى أمير العرب يتهدد ويتوعد، فتحالف معه على البساسيري.. وتوجه السلطان طغرل إلى بغداد، وكان يوم دخوله إليها يومًا مشهودًا، وأرسل السلطان إلى الخليفة مراكب كثيرة، فلما وصل الخليفة النهروان خرج السلطان لتلقيه، فلما دخل سرادق الخليفة قبَّل الأرض بين يد الخليفة سبع مرات، وكان يومًا عظيمًا.
ثم خرج السلطان خلف البساسيري الذي هرب إلى واسط، فاقتتلوا هنالك وانهزم أصحاب البساسيري، وتبعه بعض الغلمان فقتلوه، وحملت رأسه إلى بغداد وانتهت بذلك فتنته.
معركة ملاذ كرت
توفي طغرل بك سنة 455هـ في خلافة القائم وتولى الأمر بعده السلطان عضد الدولة أبي شجاع ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق.
وفي سنة 463هـ أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرخ والفرنج، وعدد عظيم بلغ مائتي ألف وعُدَد، ومن عزمه -قبحه الله- أن يبيد الإسلام وأهله، أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد واستوصى نائبها بالخليفة خيرًا... والقدر يقول: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]، فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفًا بمكان يقال له الزهوة في يوم الأربعاء 25من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال، حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلما كان ذلك الوقت وتواجه الفريقان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرَّغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام رومي!!
مميزات عهد ألب أرسلان
ألب أرسلانكان عهد ألب أرسلان كله عهد نمو وارتقاء في دولة السلاجقة لا بالبسيف وحده، بل للعلم أيضًا، فإن الملك أسس في عهده أول المدارس النظامية ببغداد، وقد تم بناؤها سنة 458هـ، ودرس فيها شيخ الشافعية بالعراق بل وبغيرها وهو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
وفاة ألب أرسلان
وفي سنة 465هـ توجه ألب أرسلان قاصدًا بلاد الترك فعبر نهر جيجون، ولكن عاجلته منيته، حُكِيَ أنه قال وهو يقرب من الموت:
"ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته إلا توكلت على الله وطلبت منه النصر، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عالٍ فرأيت عسكري فقلت أين من له قدرة بمصارعتي ومعارضتي، وإني أصل بهذا العسكر إلى بلاد الصين، فكان ما أراد الله..".
وفاة الخليفة القائم
ثم تولى بعده جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه، وفي 13من شعبان سنة 467هـ توفي الخليفة القائم بأمر الله.
يقول ابن كثير في وصف القائم: (…ولم يبلغ أحد قبله هذه المدة، كان فصيحًا ورعًا زاهدًا كثير الإحسان إلى الناس رحمه الله، وقد كان من خيار بني العباس دينًا واعتقادًا ودولة، وقد امتحن من بينهم بفتنة البساسيري التي اقتضت إخراجه من داره ومفارقته لأهله وأولاده ووطنه، فأقام بحديث عانه سنة كاملة ثم أعاد الله تعالى عليه نعمته وخلافته…).
[1] حديثة عانة: إحدى مدن العراق، وهي تقع على الفرات.
الخلافة العباسية بعد سيطرة السلاجقة على السلطنة
خلافة المقتدي بأمر الله بن الأمير ذخيرة الدين
خلافة المقتدي بأمر الله بن الأمير ذخيرة الدينتولى المقتدي بأمر الله الخلافة من شعبان 467هـ حتى محرم 487هـ، وعمره عشرون عامًا نشأ في حجر جده القائم بأمر الله يربيه بما يليق بأمثاله، وكان المقتدي شجاعًا شهمًا أيامه كلها مباركة، والرزق دار والخلافة معظمة جدًّا، وتصاغرت الملوك له وتضاءلوا بين يديه، خُطِب له بالحرمين وبيت المقدس والشام كلها، واسترجع المسلمون الرها وأنطاكية من أيدي العدو، وعمرت بغداد وغيرها من البلاد، وكان وزراؤه وقضاته من خيار الناس، وفي أول سنوات حكمه أخرج المفسِدات من بغداد وأمرهن أن ينادين على أنفسهن بالعار والفضيحة، وخرب الخمارات ودور الزواني والمغاني.
السلطان ملك شاه
توافر لهذا الزمن اكتمال السعادة فقد كان ملك شاه السلجوقي أيضًا سلطانًا عادلاً مقدامًا لا يتوجه إلى إقليم إلا فتحه وخضع له ملوك الشرق والغرب، وخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى آخر بلاد اليمن وحملت إليه الروم الجزية ولم يفته مطلب.
الوزير قوام الدين نظام الملك
كذلك كان الوزير قوام الدين نظام الملك أبي على الحسن بن علي بن إسحاق رضي أمير المؤمنين، كان معدودًا من العلماء الأجواد، وكان محبًّا للعلم، مجلسه دائمًا معمور بالقراء والفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، أمر ببناء المدارس المعروفة بالنظامية في سائر الأمصار والبلاد وأسقط في زمنه كثير من المكوس والضرائب.
وعلى الجملة فقد كان هذا الوزير غرة في جبين آل سلجوق، وهو قرين أبو حامد الغزالي حجة الإسلام في طلب العلم.
بيد أن الوشاة وأصحاب المصالح لا يريدون لهذه الأمة أمثال هذا الود وهؤلاء الوزراء والسلاطين، فسعوا بينه وبين السلطان، حتى استوحش منه السلطان واستطال مدته وكانت تسعة وعشرين عامًا في الوزارة، وقتل. ومن عجائب القدر أن يموت السلطان بعده بخمسة وثلاثين يومًا، وبموتهما انتهت سعادة البيت السلجوقي، ووقعت بين رؤسائه الفتن وحكموا بينهم السيف.
وكان ملكشاه له أربعة بنين وهم بركيارق ومحمد وسنجر ومحمود فتولى بركيارق، ولكن الخليفة مات فجأة قبل أن يوقع تقليده السلطنة.
خلافة أبي العباس أحمد المستظهر بالله
(من محرم 487هـ حتى ربيع آخر 512هـ)
كان المستظهر لين الجانب، كريم الأخلاق، مسارعًا في أعمال البر، وكانت أيامه أيام سرور لرعيته. تولى ملك العراق في عهده بركيارق بن ملكشاه الذي لم يحسن اختيار معاونيه، مما جرّأ عمه تُتُش بن ألب أرسلان صاحب دمشق أن يطلب السلطنة لنفسه، وقامت بينهما معارك انتهت بقتل تتش سنة 487هـ، واستقام الأمر لبركيارق بعد أن كاد يضمحل.
طلب السلطنة كذلك أخو بركيارق محمد بن ملك شاه فكان ذلك فاتحة شر مستطير على هذين الأخوين، بل على البيت السلجوقي كله، بل على الإسلام جميعًا، فقد ظلت نيران الحرب بينهما مستعرة من سنة 492هـ حتى سنة 497هـ، أي خمس سنين، فتحرك الإفرنج من مرابضهم للإغارة على البلاد الإسلامية لتخليص البيت المقدس كما زعموا، وملوك الإسلام وهم من بيت واحد وأبناء رجل واحد يتطاحنون ويتخاصمون، حتى تم الصلح بينهما كلٌّ على البلاد التي تحت يديه، فزال الخلف والشغب، ولكن لم تطل مدة بركيارق بعد هذا الصلح فإنه توفي في 2 من ربيع الآخر سنة 497هـ، وتم الأمر من بعده لأخيه محمد الذي لم يكن موفقًا في اختيار وزرائه وولاته فكثر التغيير والاضطراب في عهده، واستمر ملك محمد إلى سنة 511هـ، وكان عادلاً حسن السيرة شجاعًا.. واختير للملك بعده ابنه السلطان مغيث الدنيا والدين أبو القاسم محمود بن محمد بن ملك شاه، وبعدها بأربعة أشهر توفي الخليفة المستظهر بالله.
خلافة أبي منصور الفضل المسترشد بالله بن المستظهر
(من ربيع آخر 512هـ حتى قتل في ذي القعدة 529هـ)
كان شهمًا شجاعًا كثير الإقدام بعيد الهمة وكان بليغًا حسن الخط، يقول عنه ابن الأثير: "ولقد حاول أن يعيد شيئًا من مجد أهل بيته، فحالت الأقدار بينه وبين ما أراد".
كان سلطان العراق لأول عهده: السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، ولكن عمه سنجر بن ملكشاه (وكان ملك خراسان وما إليها من بلاد ما وراء النهر) لم يرضه هذا الوضع، فتوجه إلى العراق والتقيا بجيوشهما؛ محمود وعمه سنجر عند الري، وانتصر سنجر وخطب على المنابر له، وكان يقيم بالأهواز ثم تصالحا على أن يخطب لمحمود من بعد عمه، وردَّ عليه جميع ما أخذ منه سوى الري.
وفي سنة 514هـ قام ضد محمود أخوه مسعود بن محمد (وكان له الموصل وأذريبجان)، فتقاتلا فانهزم عسكر مسعود، ثم تصالحا.
هذا النزاع بين عظماء السلاجقة جعل الخليفة المسترشد يحاول أن يعيد هيبة الخلافة، فقاد الجيوش بنفسه لمحاربة المخالفين، ولم يكن للخلفاء عهد بذلك منذ زمن طويل، ولا شك أن الملوك السلجوقيين لا يعجبهم ذلك، فإنهم يرون ذلك تقليصًا لدورهم وخطرًا على نفوذهم، ولذا عزم محمود بن محمد بن ملكشاه أن يدخل بغداد ولم يكن مقيمًا بها، ولكن الخليفة وقف له وحاول منعه بالقوة، فلما رأى إصرار محمود آثر الصلح، فدخل محمود بغداد سنة 521هـ وأقام بها بضعة أشهر، ثم فارقها بعد أن حمل إليه الخليفة الخُلَع والدواب الكثيرة.
وفي سنة 524هـ استطاع محمود أن يستولي على قلعة الموت من يد صاحبها الحسن بن الصباح الاسماعيلي الباطني.
وفي سنة 525هـ توفي السلطان محمود فاضطرب الأمر من بعده حتى ولي أخوه مسعود الملقب بـ(غياث الدنيا والدين).
محاولة ثانية للخليفة
مرة أخرى حاول الخليفة المسترشد أن يعيد هيبة الخليفة، وأن يتحرر من نفوذ السلاجقة باستعمال القوة معهم؛ مما سبب نفرة بينه وبين السلطان مسعود أدت إلى أن أمر الخليفة بقطع خطبة مسعود من منابر بغداد، وجهز جيشًا لحرب مسعود ومعه جنود كثيرة، لكنها لم تكن ذات عصبية تصدق عند اللقاء، لذا لما تواجه الطرفان تحول كثير من عسكر الخليفة الأتراك إلى السلطان مسعود، فانهزم جند الخليفة، وثبت الخليفة حتى أُسر وقتل في 16من ذي القعدة سنة 529هـ.
خلافة الراشد أبو جعفر المنصور
وتولى بعده ابنه الراشد أبو جعفر المنصور في 27 من ذي القعدة سنة 529هـ، الذي دخل في مواجهة مباشرة مع السلطان مسعود، فخلع بعد 11 شهرًا و11 يومًا.
ضعف السلاجقة وزوالهم في عهد الخلافة العباسية
خلافة المقتفي لأمر الله بن المستظهر
ضعف السلاجقة وزوالهم في عهد الخلافة العباسيةاختار السلطانُ مسعود المقتفيَ من ذي الحجة 530هـ حتى ربيع أول 555هـ، ولما توفي السلطان مسعود سنة 547هـ بهمذان ماتت معه سعادة البيت السلجوقي، فلم تقم له بعده راية يعتد بها.
تولى بعده محمد بن محمود الذي توفي سنة 554هـ بهمذان ثم كان الأمر من بعده لأرسلان بن طغرل، ثم توفي الخليفة في 2 ربيع أول سنة 555هـ، وهو أول من استبد بالعراق منفردًا عن السلاجقة، وأول خليفة تمكن من الخلافة، كان شجاعًا مقدامًا مباشرًا للحروب بنفسه، وكان عادلاً حسن السيرة من الرجال ذوي الرأي والعقل والكبير.
خلافة المستنجد بالله بن المقتفي لأمر الله
(من ربيع أول 555هـ حتى ربيع آخر 566هـ)
كان المستنجد بالله يعد من خيرة الخلفاء العباسيين رفع المكوس والمظالم ولم يترك منها شيئًا، وكان شديدًا على أهل العبث والفساد والسعاية بالناس، سجن رجلاً كان يسعي بالناس فسادًا مدة، وقد شفع له بعض أصحابه، وبذل فيه عشرة آلاف دينار، فقال له الخليفة: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار ودلني على آخر مثله لأحبسه وأكف شره عن الناس.
وفي أيامه اتسعت رقعة ميدان القتال بين المسلمين والصليبيين وكانت الساحة بلاد الشام ومصر؛ ويقود القتال محمود نور الدين في كلا الساحتين، حيث ضعفت الدولة الفاطمية لدرجة كبيرة، وهذا ما جعل نور الدين محمود يتولي أمر الدفاع عن مصر.
وكان ملك السلاجقة في عهده أرسلان بن محمد بن ملكشاه، ولم يكن له شيء من السلطان في بلاد العراق.
خلافة المستضيء بأمر الله بن المستنجد بالله
(من ربيع الآخر 566هـ حتى ذي القعدة 575هـ)
كان المستضيء بأمر الله عادلاً حسن السيرة في الرعية، عاش حميدًا ومات سعيدًا. يقول ابن الأثير في تاريخه: وقد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريًا للعدل منه، وله أخبار حسان ألفت فيها كتب خاصة.
وانقرضت في عهده الدولة الفاطمية في محرم سنة 567هـ على يد الدولة الأيوبية، وخطب للمستضيء في بلاد اليمن، هذا بالإضافة إلى مصر وإفريقية والشام.
خلافة الناصر لدين الله بن المستضيء
وهو أطول خلفاء بني العباس مدة من ذي القعدة 575هـ حتى رمضان 622هـ، وفي عهده انتهى ملك السلجوقيين بالعراق سنة 590هـ بقتل طغرل بن أرسلان على يد خوارزمشاه علاء الدين تكش، الذي اتسع ملكه جدًّا، فصار ملكه ممتدًا من أقاصي بلاد ما وراء النهر شرقًا إلى بلاد الري التي أخذها بعد القضاء على السلاجقة، وكان هوى خوارزمشاه أن يذكر اسمه على منابر بغداد فيخطب له بدل السلاجقة، ولكن الخليفة أبى، فاشتدت العداوة بينهما حتى قطع خوارزمشاه خطبة الناصر من منابر بلاده.
وصول آل سلجوق إلى السلطنة
يعود أصل آل سلجوق إلى الغز من الترك وهي عشيرة كانت تقيم في بلاد تركستان تحت حكم ملك الترك.
السلاجقةتنسب إلى سلجوق بن تقاق توفي عن عمر 170 سنة، ظهرت عليه علامات النجابة فقربه ملك الترك إليه ثم خافَه وأحس سلجوق بذلك فجمع عشيرته وهاجر إلى ديار الإسلام واعتنق الإسلام وصار يشن غارات على بلاد الترك واستعان السامانيون بسلجوق في رد غارات الترك على بلادهم.
استمر الحال حتى كان من أحفاده طغرل بك محمد، وداود جعفر بك، اللذين أصبح لهما السلطان بعد ذلك على عشيرتهما فانتقلا بمن معهما إلى قرب بخاري، حيث أقاموا هناك، ولكن أمير بخاري خافهما فسارا إلى تركستان عند ملكها بوغراخان، ثم حدث بينهم خلاف انتهى باعتقال طغرل بك، ولكن داود استطاع أن يداهم بوغراخان ويستنقذ أخاه طغرل بك، ثم انتقلوا إلى بلاد الدولة السامانية حيث استقروا هناك، ولكن الدولة السامانية كانت في آخر أيامها، وقد برزت قوة جديدة هي قوة الغزنويين فاصطدموا معهم... وانتهى الصدام بًاسر أرسلان سلجوق عم طغرل بك، ثم حدث صلح بين السلاجقة والغزنويين، بحيث تولى عماد السلاجقة إمرة بعض المدن والمناطق وأطلق سراح عمهم أرسلان.
وفي سنة 429هـ رجع الخلاف بين الغزنويين والسلاجقة وتمكن طغرل بك أن يستولي على مرو، وذكروا اسمه في خطبة الجمعة باسم ملك الملوك.
وفي سنة 432هـ استولى طغرل بك على نيسابور وعلى جرجان وطبرستان، ثم في سنة 433هـ ضم كرمان وبلاد الديلم.
وفي سنة 434هـ استولى على خوارزم، وانتقل الصراع فأصبح مع البويهيين، فدخل طغرل بك أصبهان، ثم تم الاتفاق معهم وتزوج طغرل بك ابنة أبى كاليجار البويهي، كما تزوج أبو منصور ابن أبي كاليجار ابنة داود أخو طغرل بك سنة 439هـ.
انتقل طغرل بك إلى الصراع مع الروم فقاتلهم وانتصر عليهم، وعقد معهم هدنة، واشترط فيها أن يبني مسجد بالقسطنطينية فبنوه، وأقيمت فيه الصلاه وخطب لطغرل بك فيه.
تقاسم السلاجقه البلاد الواسعة التي بحوزتهم فيما بينهم، وانتخب ملكًا عليهم جميعًا طغرل بك، ولم يكن له أولاد واتخذ مدينة الري حاضرة له، وقد اختير ابن اخيه ألب أرسلان بن داود ليكون مع عمه طغرل بك مساعدًا له، ونتيجة ما قدَّم طغرل بك من خدمات ونتيجة مراسلاته مع الخليفة فقد ذكر اسمه في الخطبة وعلى السكة قبل السلطان البويهي، ثم استأذن طغرل بك على الخليفة القائم ودخل مدينة بغداد سنة 447هـ، وطلب الخليفة القائم من السلطان البويهي أن يتبع ويخضع لطغرل بك، وبذا انتهى عهد البويهيين وجاء دور السلاجقة.
كان الخليفة قد تزوج خديجة بنت داود أخي طغرل بك سنة 454هـ، ثم خطب طغرل بك ابنة الخليفة وتزوجها بعد امتناع من الخليفة، واتجه طغرل بك إلى الري فمرض في الطريق، ثم توفي سنة 455هـ بعد أن وصل إلى الري.
لقد استطاعت هذه العشيرة أن تستولي على جُلِّ ما ملكه المسلمون، وقد انقسمت إلى خمسة بيوت.
صراع الشيعة والسنة
في صفر سنة 443هـ وقعت حرب بين الشيعة والسنة، فقتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الشيعة نصبوا أبراجًا وكتبوا عليها بالذهب: (محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبي فقد كفر). فأنكرت السنة إقران على مع محمد في هذا، فنشبت الحرب بينهم واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، وأحرقت قبور بني بويه وقبر جعفر بن المنصور، ومحمد الأمين، وأمه زبيدة، وقبور كثيرة جدًّا، وانتشرت الفتنة وتجاوزوا الحدود، وقد قابلهم أولئك الرافضة الشيعة أيضًا بمفاسد كثيرة، وبعثروا قبورًا قديمة وأحرقوا من فيها من الصالحين، وكادوا أن يحرقوا قبر الإمام أحمد، وتسلط على الرافضة عيار يقال له القطيعي، وكان يتبع رءوسهم وكبارهم فيقتلهم جهارًا وغيلة، وعظمت المحنة بسببه جدًّا، ولم يقدر عليه أحد، وكان في غاية الشجاعة والبأس والمكر.
استمر الحال حتى سنة 448هـ، وهي السنة التي بدأ فيها ملك آل سلجوق.
يقول ابن كثير: "...وفي هذه السنة ألزم الروافض بترك الأذان (بحي على خير العمل) وهي بدعة أحدثوها، وأمروا أن ينادى مؤذنهم في أذان الصبح، بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، وأزيل ما كان على المساجد من كتابة: (محمد وعلي خير البشر)، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ (الكرخ معقل الرافضة) ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة، وقد كانوا لا يستطيعون ذلك؛ لأن بني بويه كانوا حكامًا، وكانوا يقوون الشيعة وينصرونهم، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم، وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم والله المحمود، أبدًا على طول المدى".
فتنة البساسيري
ظهرت فتنة عظيمة سنة 450هـ، وهي محاولة الفاطميين الاستيلاء على بغداد، ونفي الخليفة العباسي إلى حديث عانة بمساعدة أرسلان أبو الحارس البساسيري التركي.
كان البساسيري من مماليك بهاء الدولة، وكان أولاً مملوكًا لرجل من أهل مدينة بسا، فنسب إليها فقيل له البساسيري، وتلقب بالملك المظفر ثم كان مقدمًا كبيرًا عند الخليفة القائم بأمر الله، لا يقطع أمرًا دونه، وخطب له على منابر العراق كلها، ثم طغى وبغى وتمرد، وخرج على الخليفة والمسلمين، وفي هذه الفترة كان هناك نزاع بين الملك طغرل بك وأخيه إبراهيم، في نفس الوقت كان البساسيري هذا ومعه قريش بن بدران أمير العرب يتوجهان إلى الموصل، ونجحا في أخذها.. فسار إليها طغرل بك سريعًا فاستردها، وهربا منه فتبعهما إلى نصيبين، وهرب إبراهيم أخو طغرل إلى همذان وعصى عليه، فسار طغرل وراء أخيه وترك عساكره وراءه، فتفرقوا وقلَّ من لحقه منهم.
انتهز البساسيري هذه الفرصة وقصد بغداد وليس بها أحد من المقاتلة، ولما علم الناس بقدومه تنادى الناس: من أراد الرحيل من بغداد فليرحل، فانزعج الناس وبكى الرجال والنساء والأطفال.. حتى إن الخليفة نفسه قد هم بالرحيل ولكنه آثر البقاء في قصره مع النصح له بأن الأفضل أن يرحل لعدم المقاتلة.. حتى كان يوم 8 من ذي القعدة سنة 450هـ جاء البساسيري إلى بغداد، ومعه الرايات البيض المصرية، وعلى رأسه أعلام مكتوب عليها اسم الخليفة الفاطمي، فتلقاه الشيعة أهل الكرخ، وجمع البساسيري اللصوص ومنّاهم بنهب دار الخليفة، ونَهَب الشيعة دور أهل السُّنَّة، وأعيدت عادات الشيعة وبدعهم.. ووجد الخليفة نفسه محاصرًا وحوله زمرة قليلة من العباسيين، فطلب الأمان من أمير العرب قريش فأمّنه.
ولما علم بذلك البساسيري اغتاظ ولامه لومًا عنيفًا على إعطائه الأمان للخليفة، ثم اتفقا على إخراج الخليفة من بغداد إلى أمير حديثة عانة[1]، وهو مهارش بن مجلي الندوي وهي من بني عم قريش بن بدران، وعبثًا ألح الخليفة على قريش أن لا يخرجه من بغداد فلم يفد ذلك شيئًا، وأخرج الخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش عامًا كاملاً، وليس معه أحد من أهله وذلك في ذي القعدة سنة 450هـ.
وأمر البساسيري بالخطبة للخليفة المصري، والروافض في غاية السرور وانتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقامًا عظيمًا.
القضاء على البساسيري
ودخلت سنة 451هـ والحال على ما هي عليه، بيد أن السلطان طغرل قد انتهى من منازعة أخيه إبراهيم وقتله، وتفرغ للقضاء على البساسيري. فأرسل إلى أمير العرب يتهدد ويتوعد، فتحالف معه على البساسيري.. وتوجه السلطان طغرل إلى بغداد، وكان يوم دخوله إليها يومًا مشهودًا، وأرسل السلطان إلى الخليفة مراكب كثيرة، فلما وصل الخليفة النهروان خرج السلطان لتلقيه، فلما دخل سرادق الخليفة قبَّل الأرض بين يد الخليفة سبع مرات، وكان يومًا عظيمًا.
ثم خرج السلطان خلف البساسيري الذي هرب إلى واسط، فاقتتلوا هنالك وانهزم أصحاب البساسيري، وتبعه بعض الغلمان فقتلوه، وحملت رأسه إلى بغداد وانتهت بذلك فتنته.
معركة ملاذ كرت
توفي طغرل بك سنة 455هـ في خلافة القائم وتولى الأمر بعده السلطان عضد الدولة أبي شجاع ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق.
وفي سنة 463هـ أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرخ والفرنج، وعدد عظيم بلغ مائتي ألف وعُدَد، ومن عزمه -قبحه الله- أن يبيد الإسلام وأهله، أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد واستوصى نائبها بالخليفة خيرًا... والقدر يقول: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]، فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفًا بمكان يقال له الزهوة في يوم الأربعاء 25من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال، حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلما كان ذلك الوقت وتواجه الفريقان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرَّغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام رومي!!
مميزات عهد ألب أرسلان
ألب أرسلانكان عهد ألب أرسلان كله عهد نمو وارتقاء في دولة السلاجقة لا بالبسيف وحده، بل للعلم أيضًا، فإن الملك أسس في عهده أول المدارس النظامية ببغداد، وقد تم بناؤها سنة 458هـ، ودرس فيها شيخ الشافعية بالعراق بل وبغيرها وهو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
وفاة ألب أرسلان
وفي سنة 465هـ توجه ألب أرسلان قاصدًا بلاد الترك فعبر نهر جيجون، ولكن عاجلته منيته، حُكِيَ أنه قال وهو يقرب من الموت:
"ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته إلا توكلت على الله وطلبت منه النصر، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عالٍ فرأيت عسكري فقلت أين من له قدرة بمصارعتي ومعارضتي، وإني أصل بهذا العسكر إلى بلاد الصين، فكان ما أراد الله..".
وفاة الخليفة القائم
ثم تولى بعده جلال الدولة أبو الفتح ملك شاه، وفي 13من شعبان سنة 467هـ توفي الخليفة القائم بأمر الله.
يقول ابن كثير في وصف القائم: (…ولم يبلغ أحد قبله هذه المدة، كان فصيحًا ورعًا زاهدًا كثير الإحسان إلى الناس رحمه الله، وقد كان من خيار بني العباس دينًا واعتقادًا ودولة، وقد امتحن من بينهم بفتنة البساسيري التي اقتضت إخراجه من داره ومفارقته لأهله وأولاده ووطنه، فأقام بحديث عانه سنة كاملة ثم أعاد الله تعالى عليه نعمته وخلافته…).
[1] حديثة عانة: إحدى مدن العراق، وهي تقع على الفرات.
الخلافة العباسية بعد سيطرة السلاجقة على السلطنة
خلافة المقتدي بأمر الله بن الأمير ذخيرة الدين
خلافة المقتدي بأمر الله بن الأمير ذخيرة الدينتولى المقتدي بأمر الله الخلافة من شعبان 467هـ حتى محرم 487هـ، وعمره عشرون عامًا نشأ في حجر جده القائم بأمر الله يربيه بما يليق بأمثاله، وكان المقتدي شجاعًا شهمًا أيامه كلها مباركة، والرزق دار والخلافة معظمة جدًّا، وتصاغرت الملوك له وتضاءلوا بين يديه، خُطِب له بالحرمين وبيت المقدس والشام كلها، واسترجع المسلمون الرها وأنطاكية من أيدي العدو، وعمرت بغداد وغيرها من البلاد، وكان وزراؤه وقضاته من خيار الناس، وفي أول سنوات حكمه أخرج المفسِدات من بغداد وأمرهن أن ينادين على أنفسهن بالعار والفضيحة، وخرب الخمارات ودور الزواني والمغاني.
السلطان ملك شاه
توافر لهذا الزمن اكتمال السعادة فقد كان ملك شاه السلجوقي أيضًا سلطانًا عادلاً مقدامًا لا يتوجه إلى إقليم إلا فتحه وخضع له ملوك الشرق والغرب، وخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى آخر بلاد اليمن وحملت إليه الروم الجزية ولم يفته مطلب.
الوزير قوام الدين نظام الملك
كذلك كان الوزير قوام الدين نظام الملك أبي على الحسن بن علي بن إسحاق رضي أمير المؤمنين، كان معدودًا من العلماء الأجواد، وكان محبًّا للعلم، مجلسه دائمًا معمور بالقراء والفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، أمر ببناء المدارس المعروفة بالنظامية في سائر الأمصار والبلاد وأسقط في زمنه كثير من المكوس والضرائب.
وعلى الجملة فقد كان هذا الوزير غرة في جبين آل سلجوق، وهو قرين أبو حامد الغزالي حجة الإسلام في طلب العلم.
بيد أن الوشاة وأصحاب المصالح لا يريدون لهذه الأمة أمثال هذا الود وهؤلاء الوزراء والسلاطين، فسعوا بينه وبين السلطان، حتى استوحش منه السلطان واستطال مدته وكانت تسعة وعشرين عامًا في الوزارة، وقتل. ومن عجائب القدر أن يموت السلطان بعده بخمسة وثلاثين يومًا، وبموتهما انتهت سعادة البيت السلجوقي، ووقعت بين رؤسائه الفتن وحكموا بينهم السيف.
وكان ملكشاه له أربعة بنين وهم بركيارق ومحمد وسنجر ومحمود فتولى بركيارق، ولكن الخليفة مات فجأة قبل أن يوقع تقليده السلطنة.
خلافة أبي العباس أحمد المستظهر بالله
(من محرم 487هـ حتى ربيع آخر 512هـ)
كان المستظهر لين الجانب، كريم الأخلاق، مسارعًا في أعمال البر، وكانت أيامه أيام سرور لرعيته. تولى ملك العراق في عهده بركيارق بن ملكشاه الذي لم يحسن اختيار معاونيه، مما جرّأ عمه تُتُش بن ألب أرسلان صاحب دمشق أن يطلب السلطنة لنفسه، وقامت بينهما معارك انتهت بقتل تتش سنة 487هـ، واستقام الأمر لبركيارق بعد أن كاد يضمحل.
طلب السلطنة كذلك أخو بركيارق محمد بن ملك شاه فكان ذلك فاتحة شر مستطير على هذين الأخوين، بل على البيت السلجوقي كله، بل على الإسلام جميعًا، فقد ظلت نيران الحرب بينهما مستعرة من سنة 492هـ حتى سنة 497هـ، أي خمس سنين، فتحرك الإفرنج من مرابضهم للإغارة على البلاد الإسلامية لتخليص البيت المقدس كما زعموا، وملوك الإسلام وهم من بيت واحد وأبناء رجل واحد يتطاحنون ويتخاصمون، حتى تم الصلح بينهما كلٌّ على البلاد التي تحت يديه، فزال الخلف والشغب، ولكن لم تطل مدة بركيارق بعد هذا الصلح فإنه توفي في 2 من ربيع الآخر سنة 497هـ، وتم الأمر من بعده لأخيه محمد الذي لم يكن موفقًا في اختيار وزرائه وولاته فكثر التغيير والاضطراب في عهده، واستمر ملك محمد إلى سنة 511هـ، وكان عادلاً حسن السيرة شجاعًا.. واختير للملك بعده ابنه السلطان مغيث الدنيا والدين أبو القاسم محمود بن محمد بن ملك شاه، وبعدها بأربعة أشهر توفي الخليفة المستظهر بالله.
خلافة أبي منصور الفضل المسترشد بالله بن المستظهر
(من ربيع آخر 512هـ حتى قتل في ذي القعدة 529هـ)
كان شهمًا شجاعًا كثير الإقدام بعيد الهمة وكان بليغًا حسن الخط، يقول عنه ابن الأثير: "ولقد حاول أن يعيد شيئًا من مجد أهل بيته، فحالت الأقدار بينه وبين ما أراد".
كان سلطان العراق لأول عهده: السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، ولكن عمه سنجر بن ملكشاه (وكان ملك خراسان وما إليها من بلاد ما وراء النهر) لم يرضه هذا الوضع، فتوجه إلى العراق والتقيا بجيوشهما؛ محمود وعمه سنجر عند الري، وانتصر سنجر وخطب على المنابر له، وكان يقيم بالأهواز ثم تصالحا على أن يخطب لمحمود من بعد عمه، وردَّ عليه جميع ما أخذ منه سوى الري.
وفي سنة 514هـ قام ضد محمود أخوه مسعود بن محمد (وكان له الموصل وأذريبجان)، فتقاتلا فانهزم عسكر مسعود، ثم تصالحا.
هذا النزاع بين عظماء السلاجقة جعل الخليفة المسترشد يحاول أن يعيد هيبة الخلافة، فقاد الجيوش بنفسه لمحاربة المخالفين، ولم يكن للخلفاء عهد بذلك منذ زمن طويل، ولا شك أن الملوك السلجوقيين لا يعجبهم ذلك، فإنهم يرون ذلك تقليصًا لدورهم وخطرًا على نفوذهم، ولذا عزم محمود بن محمد بن ملكشاه أن يدخل بغداد ولم يكن مقيمًا بها، ولكن الخليفة وقف له وحاول منعه بالقوة، فلما رأى إصرار محمود آثر الصلح، فدخل محمود بغداد سنة 521هـ وأقام بها بضعة أشهر، ثم فارقها بعد أن حمل إليه الخليفة الخُلَع والدواب الكثيرة.
وفي سنة 524هـ استطاع محمود أن يستولي على قلعة الموت من يد صاحبها الحسن بن الصباح الاسماعيلي الباطني.
وفي سنة 525هـ توفي السلطان محمود فاضطرب الأمر من بعده حتى ولي أخوه مسعود الملقب بـ(غياث الدنيا والدين).
محاولة ثانية للخليفة
مرة أخرى حاول الخليفة المسترشد أن يعيد هيبة الخليفة، وأن يتحرر من نفوذ السلاجقة باستعمال القوة معهم؛ مما سبب نفرة بينه وبين السلطان مسعود أدت إلى أن أمر الخليفة بقطع خطبة مسعود من منابر بغداد، وجهز جيشًا لحرب مسعود ومعه جنود كثيرة، لكنها لم تكن ذات عصبية تصدق عند اللقاء، لذا لما تواجه الطرفان تحول كثير من عسكر الخليفة الأتراك إلى السلطان مسعود، فانهزم جند الخليفة، وثبت الخليفة حتى أُسر وقتل في 16من ذي القعدة سنة 529هـ.
خلافة الراشد أبو جعفر المنصور
وتولى بعده ابنه الراشد أبو جعفر المنصور في 27 من ذي القعدة سنة 529هـ، الذي دخل في مواجهة مباشرة مع السلطان مسعود، فخلع بعد 11 شهرًا و11 يومًا.
ضعف السلاجقة وزوالهم في عهد الخلافة العباسية
خلافة المقتفي لأمر الله بن المستظهر
ضعف السلاجقة وزوالهم في عهد الخلافة العباسيةاختار السلطانُ مسعود المقتفيَ من ذي الحجة 530هـ حتى ربيع أول 555هـ، ولما توفي السلطان مسعود سنة 547هـ بهمذان ماتت معه سعادة البيت السلجوقي، فلم تقم له بعده راية يعتد بها.
تولى بعده محمد بن محمود الذي توفي سنة 554هـ بهمذان ثم كان الأمر من بعده لأرسلان بن طغرل، ثم توفي الخليفة في 2 ربيع أول سنة 555هـ، وهو أول من استبد بالعراق منفردًا عن السلاجقة، وأول خليفة تمكن من الخلافة، كان شجاعًا مقدامًا مباشرًا للحروب بنفسه، وكان عادلاً حسن السيرة من الرجال ذوي الرأي والعقل والكبير.
خلافة المستنجد بالله بن المقتفي لأمر الله
(من ربيع أول 555هـ حتى ربيع آخر 566هـ)
كان المستنجد بالله يعد من خيرة الخلفاء العباسيين رفع المكوس والمظالم ولم يترك منها شيئًا، وكان شديدًا على أهل العبث والفساد والسعاية بالناس، سجن رجلاً كان يسعي بالناس فسادًا مدة، وقد شفع له بعض أصحابه، وبذل فيه عشرة آلاف دينار، فقال له الخليفة: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار ودلني على آخر مثله لأحبسه وأكف شره عن الناس.
وفي أيامه اتسعت رقعة ميدان القتال بين المسلمين والصليبيين وكانت الساحة بلاد الشام ومصر؛ ويقود القتال محمود نور الدين في كلا الساحتين، حيث ضعفت الدولة الفاطمية لدرجة كبيرة، وهذا ما جعل نور الدين محمود يتولي أمر الدفاع عن مصر.
وكان ملك السلاجقة في عهده أرسلان بن محمد بن ملكشاه، ولم يكن له شيء من السلطان في بلاد العراق.
خلافة المستضيء بأمر الله بن المستنجد بالله
(من ربيع الآخر 566هـ حتى ذي القعدة 575هـ)
كان المستضيء بأمر الله عادلاً حسن السيرة في الرعية، عاش حميدًا ومات سعيدًا. يقول ابن الأثير في تاريخه: وقد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريًا للعدل منه، وله أخبار حسان ألفت فيها كتب خاصة.
وانقرضت في عهده الدولة الفاطمية في محرم سنة 567هـ على يد الدولة الأيوبية، وخطب للمستضيء في بلاد اليمن، هذا بالإضافة إلى مصر وإفريقية والشام.
خلافة الناصر لدين الله بن المستضيء
وهو أطول خلفاء بني العباس مدة من ذي القعدة 575هـ حتى رمضان 622هـ، وفي عهده انتهى ملك السلجوقيين بالعراق سنة 590هـ بقتل طغرل بن أرسلان على يد خوارزمشاه علاء الدين تكش، الذي اتسع ملكه جدًّا، فصار ملكه ممتدًا من أقاصي بلاد ما وراء النهر شرقًا إلى بلاد الري التي أخذها بعد القضاء على السلاجقة، وكان هوى خوارزمشاه أن يذكر اسمه على منابر بغداد فيخطب له بدل السلاجقة، ولكن الخليفة أبى، فاشتدت العداوة بينهما حتى قطع خوارزمشاه خطبة الناصر من منابر بلاده.
- angelالمدير العام
- عدد المساهمات : 8871
نقاط : 14094
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
الموقع : عمان
المزاج : إذا ضبطت نفسك متلبساً بالغيرة "على " إنسان ما فتفقد أحاسيسك جيداً فقد تكون في حالة " حب " وأنت "لا تعلم"..
رد: تاريخ الدوله العباسية 8
الجمعة ديسمبر 02, 2011 9:46 pm
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
- ابو ادممشرف عام
- عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 45
الموقع : google
المزاج : مصدهج
رد: تاريخ الدوله العباسية 8
الأحد ديسمبر 04, 2011 3:09 am
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
تاريخ الدوله العباسية 8
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى