- ابو ادممشرف عام
- عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 45
الموقع : google
المزاج : مصدهج
الاسلام و التعددية الحزبية
السبت ديسمبر 31, 2011 12:43 am
الاسلام و التعددية الحزبية
شروط وقيود على العمل الجماعي المنظم
المؤلف: أبو بصير الطرطوسي
إذ نقول بشرعية العمل الجماعي المنظم – في حال غياب الدولة الإسلامية وعدم وجود خليفة للمسلمين – فإننا لا نقول به على إطلاقه من دون قيد أو شرط، وإنما نقيده بقيود شرعية، ونشترط له شروطاً، أهمها:
أولاً:
وجود الضرورة الملزمة لذلك؛ وتكمن – كما بيناها – في حال غياب الدولة الإسلامية، وعدم وجود سلطان مسلم (خليفة) تجتمع عليه كلمة المسلمين، ويرعى قضاياهم الدينية والدنيوية...
ثانياً:
أن تقوم هذه الجماعة على أساس الالتزام بالكتاب والسنة، وعلى أساس الاتباع والاقتداء بمنهج السلف الصالح، لا الابتداع والأفكار الضالة والمنحرفة.
وأي جماعة أو حزب لم ينضبط بهذا الضابط، أو يعرف عنه بتفريطه بثوابت وأصول هذا الدين، فهو تجمع باطل ومرفوض – شره أكثر من خيره – لا يجوز الانتماء إليه أو تكثير سواده في شيء.
كما في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: من كثر سواد قومٍ فهو منهم.
وفي السنة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة) [صحيح ابن ماجة: 97].
فالعاصم من الاختلاف، واتباع الأهواء والبدع، يكون بالتزام السنة، وسنة الخلفاء الراشدين من بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد، ويحلف وما يستحلف) .
وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذي بعثتُ فيهم، ثم الذين يلونهم " قال: ولا أعلم أذكر الثالثة أم لا، " ثم ينشأ أقوام يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون) [مسلم].
وفي هذا الحديث ونحوه دلالة على خيرية القرون الثلاثة الأولى وفضلها على ما بعدها من القرون والسنين، والعاقل هو الذي يتلمس الهدى عند الفاضل، ويقدمه على المفضول.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة. والذي نفس محمد بيده لتفترقنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار)، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: (الجماعة) ، وفي رواية عند الترمذي، من حديث عبد الله بن عمرو: (وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة)، قال: من هي يا رسول الله؟ قال: (ما أنا عليه وأصحابي) .
والشاهد من هذه الأحاديث – وغيرها من النصوص والآثار الدالة على هذا المعنى – أن الجماعة الناجية المنصورة التي يجب الانتماء إليها، وتكثير سوادها هي الجماعة التي تتمسك بالكتاب والسنة، وتكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده فهماً والتزاماً وسلوكاً، وما سواها من الجماعات التي تتنكب هذا الطريق مهما كثر عددها وانتشر صيتها وضرب اسمها الآفاق، لا يجوز الانتماء إليها، أو التكثير من سوادها بشيء، فالحق أحق وأولى بالاتباع وإن قل أنصاره، فالحق لا يُعرف بالكثرة الغالبة، وإنما يُعرف بالكيف المطابق للكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة .
ثالثاً:
أن تكون الغاية من العمل الجماعي المنظم، التعاون على البر والتقوى، والعمل على إحياء فريضتي الإعداد والجهاد في سبيل الله، ومن ثم استئناف حياة إسلامية تسود جميع مناحي الحياة والحكم، والجماعة هنا – متمثلة في أميرها – تقوم مقام السلطان المسلم في الذود عن الدين، وعن حرمات المسلمين قدر المستطاع إلى حين قيام الخلافة العامة للمسلمين.
قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]، وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60]، وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]، وقال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]، وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران: 104]، وقال تعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا} [النساء: 84].
وهذه آيات محكمات، العمل بمقتضاها واجب، لا يسقط بسقوط الخليفة أو الخلافة، ولما كان هذا الواجب لا يمكن النهوض به على الوجه الصحيح إلا من خلال جماعة، أو عمل جماعي منظم يأخذ بأسباب القوة، دل أن الجماعة والعمل الجماعي له حكم الوجوب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقد تقدمت الإشارة إلى أن عدم وجود إمام عام للمسلمين تجتمع عليه كلمتهم ويلتئم شملهم، لا يعطل من مسيرة الإعداد والجهاد في سبيل الله.
كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك).
فالحديث يفيد أن هذه العصابة المؤمنة المقاتلة موجودة في زماننا، وفي كل زمان إلى أن تقوم الساعة، وهي كذلك تقوم بواجب القتال في سبيل الله – على مدار زمن وجودها على الأرض – لا تخاف في الله لومة لائم، سواء كان للمسلمين خليفة مطاع أم لم يكن .
رابعاً:
أن يقوم العمل الجماعي المنظم على أساس توحيد كلمة جميع المسلمين – على منهاج النبوة – في حزب واحد، وجماعة واحدة قدر المستطاع.
وعليه أي فرقة تقع بين المسلمين يمكن ترميمها، والمسلمون لا يفعلون، فهم آثمون، وقد عصوا الله ورسوله، وخالفوا نصوص الكتاب والسنة، وعملوا – عن قصد أو غير قصد – على تمكين العدو من رقابهم.
كما قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46]، أي تتلاشى قوتكم وتذهب منعتكم وغلبتكم.
وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيءٍ} [الأنعام: 159]، وقال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} [آل عمران: 103].
فعدم مراعاتهم لهذا الشرط يوقعهم تحت طائلة هذه النصوص وغيرها من النصوص التي تأمر بالوحدة والجماعة والتآلف.
ومدار الإثم هنا – كما تقدم – قائم على التقصير فيما هو مستطاع ومقدور عليه، أما ما هو فوق القدرة والاستطاعة نرجو ارتفاع الحرج والإثم – إن شاء الله – لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 64]، وقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286].
خامساً:
لا يجوز تشكيل أي عمل حزبي جديد في أي قطر من أقطار المسلمين، إذا كانت الجماعة الأولى في هذا القطر قائمة وموجودة قبلاً، لأن قيام جماعات متعددة على نفس الساحة – منهجها واحد – لا مبرر له البتة سوى تفريق كلمة المسلمين وإضعاف شوكتهم.
وفي حال خطأ الجماعة الأولى وانحرافها عن جادة الحق والصواب، يقدر خطؤها، فإن كان في العقائد والأصول، وفيما لا يمكن إقراره أو السكوت عليه، والتعايش معه – أي انحرفت عن منهاج النبوة بالقدر الذي يبرر الخروج منها والتخلي عنها – يتخلى عنها المسلمون ويشرعون في عمل جماعي جديد يقوم على أساس منهاج النبوة...
أما إن كان خطؤها محتملاً وفي الفروع أو في السلوك لبعض أفرادها، فإن ذلك لا يبرر الانقسام عليها وتشكيل جماعة أخرى من جديد، لأن مثل هذا النوع من الأخطاء وارد وممكن الوقوع حتى في عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان الذين جاءوا من بعدهم، فضلاً عن زماننا الذي ابتعد عن عهد النبوة أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
وثانياً لأن فرقة المسلمين وانقسام كلمتهم في جماعات متغايرة متباغضة متفرقة أشد خطراً وضرراً على المسلمين من البقاء في حزب أو جماعة فيها بعض الأخطاء الفرعية أو السلوكية التي يمكن إزالتها أو معالجتها بشيء من النصح والحكمة.
وثالثاً، لأن هذه الجماعة أو المجموعة التي ستنشق لن تسلم مما وقعت به الجماعة الأم الأولى من الوقوع في بعض الأخطاء، وبالتالي فإن سلسلة الانقسامات وإحداث التجمعات والتحزبات المقيتة ستستمر ولن تتوقف، كما هو حال كثير من التكتلات والتجمعات المعاصرة .
لذلك نجد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رغم خلافه مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وإنكاره عليه إتمامه للصلاة في مِنى أربعاً وهو بخلاف السنة، فإنه لم يُحدث جماعة ثانية للصلاة، وصلى خلف عثمان أربعاً، فقالوا له: تعيب على عثمان ثم تصلي خلفه أربعاً؟! فقال: الخلاف شر .
إن وحدة الأمة واجتماع كلمتها هدف كبير، وأصل عظيم من أصول الدين يهون ويرخص في سبيل تحقيقه أو الحفاظ عليه كثير من المقاصد والأصول الأخرى، ولا يُفرط به إلا لأصل أعظم منه وأوكد، ولا أراه إلا التوحيد الذي لأجله خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وهذا ما يقتضيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن لا نُنازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) [متفق عليه]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ما أقاموا فيكم الصلاة) [مسلم]. لأن إقامة الصلاة – على الراجح – هي من التوحيد والإيمان، وتعتبر شرطاً لصحته، كما بيناه في كتاب " حكم تارك الصلاة).
خلاصة القول: عند الإقبال على عمل من هذا القبيل، وهو إحداث جماعة جديدة تعمل للإسلام، لا بد من ترجيح – من منظور شرعي بعيد عن العصبية والهوى – أيهما أشد ضرراً أو أكثر نفعاً، وأيهما ترجح فيه المصلحة فيقدمه، وأيهما ترجح فيه المفسدة والمضرة فيدفعه ويرده.
سادساً:
أن تعيش الجماعة – قدر المستطاع – اهتمامات الأمة، فتهتم بأمور جميع المسلمين الخاصة منها والعامة، وبمصلحتهم وكيف تحقق لهم النفع والفائدة، من دون تمييز أو تفريق بين أحد من المسلمين، فالمسلمون جميعاً أخوة في الدين، متساوون في الحقوق، تتساوى ذممهم – على اختلاف مراتبهم ومكانته – لا تفاضل فيما بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، وقال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13].
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمنون من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد)
وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله) [مسلم].
فلا يجوز للمسلم – وهو يستطيع أن يدفع الظلم عن أخيه المسلم – أن يُسلم أخاه إلى الظلم والقهر، والفقر والجوع بدعوى أنه مسلم من الدرجة الثانية أو الثالثة لكونه لا ينتمي إلى حزبه أو فئته وجماعته!
والذي دعانا للإشارة إلى هذا الأمر أن كثيراً من الأحزاب المعاصرة المسماة بالإسلامية لا تهتم إلا بأفرادها أو فيمن يعطيها الولاء، أو فيمن يطمعون أنه سيكون منهم يوماً من الأيام، وما سواهم من المسلمين فلهم الموت والهلاك والفقر وكل أنواع الإهمال وإن كانوا على أتقى وأصلح قلب رجل من المسلمين، فإن أمرهم لا يعنيهم في شيء ما داموا لا ينتمون إلى حزبهم أو جماعتهم، أو لا يعطون الولاء المطلق لأمير وشيخ الحزب أو الجماعة!
ومن صور هذه العصبية والأنانية قيام بعض المجموعات أو الجماعات القتالية المعاصرة بأعمال لا تفيد بأنهم يكترثون بمصالح الأمة وجمهور المسلمين، فالمهم عندهم سلامتهم أو سلامة أفرادهم الذين قد لا يتجاوز تعدادهم أصابع اليد، أما مصالح وسلامة الملايين من المسلمين فهم لا يأبهون لها في شيء، والشعوب المسلمة هي خارج حساباتهم وتقديراتهم عندما يقومون بأي عمل من الأعمال، لذلك يجدون أنفسهم في النهاية أنهم معزولون عن الأمة، وأنهم جسد غريب عنها!
وحزب أو جماعة تُعرف بهذه الأنانية والعصبية، وبانعدام الشعور بالمسؤولية تجاه جمهور المسلمين، لا شك أن عدمها أفضل من وجودها، وأنه لا يجوز تكثير سوادها في شيء.
سابعاً:
على الجماعة أو الحزب أن ينهج – بالقول والفعل – مع جميع المسلمين من دون استثناء أو تمييز، مبدأ الموالاة والمعاداة في الله، والحب والكره في الله، فيوالون بقدر ويجافون بقدر وفق ضوابط وتعاليم الشرع من غير زيادة أو نقصان .
وهذه من أعظم الخصال التي يحبها الله تعالى ويرضاها، والتي تستدعي لصاحبها القبول في الأرض وفي السماء، كما في الحديث: (إن أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله، وتُبغض في الله) .
وفي رواية: (أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن سره أن يجد طعم الإيمان فليحُبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله) .
وإذا كان الحب في الله والبغض في الله من الإيمان والإسلام، لا شك أن عقد الموالاة والمعاداة في غير الله عز وجل من ضروب الشرك الذي لا يغفره الله تعالى، كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} [البقرة: 165].
وعليه فالتحذر الجماعة أشد الحذر من أن يكون ولاؤها وبراؤها يعقدان على أساس الانتماء الحزبي أو المشيخي – كما هو شأن أكثر الأحزاب والتجمعات المعاصرة – فمن كان من الحزب أو الجماعة أو ممن يوالون الشيخ أو أمير الحزب فله مطلق الحب والولاء، ويُعطى كامل الحقوق والرعاية وإن كان فاسقاً لا يستحق هذا القدر من الحب والموالاة، ومن كان خارج الجماعة أو الحزب، أو ممن لا يوالون الشيخ أو أمير الحزب موالاة مطلقة، فإنه يُعادى ويُجافى ولا يُعطى شيئاً من حقوقه التي يستحقها كمسلم، وإن كان من خيار المسلمين وصالحيهم!
وهذا من أشد ما ينكر على كثيرٍ من الأحزاب والتجمعات الإسلامية المعاصرة، التي تكاد تتحول في عملها الدعوي إلى تكتلات وعصابات متحزقة ومتفرقة – تشبه في كثير من الحالات التجمعات والأحزاب العلمانية - تجمعها وتفرقها المصالح الذاتية الشخصية الضيقة.
لكن يجب أن ينتبه القارئ إلى أمر مهم – قل من يتنبه إليه من العاملين في الحقل الإسلامي – وهو التفريق بين الولاء الحزبي المذموم شرعاً، والولاء الحزبي الممدوح شرعاً؛ حيث كثير منهم – عن قصد أو غير قصد – من يخلط بينهما، ولا يحسن التفريق بينهما، مما يجعله يقع في المحظور والإثم.
صور من الولاء الحزبي المذموم:
منها، أن تُعقد الموالاة والمعاداة، والحب والبغض، والحقوق والواجبات على أساس الانتماء الحزبي، أو المشيخي؛ فمن كان من أتباع الشيخ أو الحزب يُوالى، ومن كان غير ذلك يُجافى ويُعادى!
ومنها، أن يغضب المرء لحزبه أو لشيخ أو زعيم الحزب فيغضب له في الباطل كما يغضب له في الحق، وينصره ويدافع عنه وهو مبطل مخطئ كما وهو محق ومصيب، فهو يدور مع الحزب وزعيم الحزب حيث يدوران، ولا يبالي إن كان موقف الحزب موافق للحق أم لا!
ومنها، الطاعة العمياء لتعاليم وأوامر الحزب، من دون أن يردها للشرع، ويعرف حكم الله فيها!
ومنها، تقديم قول الحزب أو قول الشيخ الزعيم على تعاليم الشرع، وما هو مثبت في الكتاب والسنة، وعندما يُذكّر الحزبي بهذه الحقيقة الواقعية فيقول بلسان الحال أو المقال - : أنا على ما عليه الحزب وأشياخ الحزب، والفرقة شر، وهم يعرفون أكثر مني!
ومنها، أن لا يُقبل الحق إلا إذا جاء من خلال قنوات الحزب، والحزب يكون قد أقره وأمر به، بينما لو جاء هذا الحق نفسه من غير قنوات الحزب، أو على لسان أناس ليسوا من الحزب، فإنه يُرفض، ويستهان به، أو على الأقل لا ينال نفس القبول في نفوس الحزبيين كما لو جاءهم عن طريق الحزب وطريق أربابه ومنظريه... وهذا من أشنع ما يؤخذ على كثير من الأحزاب والتجمعات الإسلامية المعاصرة!
وهذا النوع من الولاء الحزبي لا شك في بطلانه، وأن الإسلام يبغضه ويعاديه ولا يقره ولا يرضاه.
فالحزب عندما يُعطى هذا النوع من الولاء، ويُعامل بهذه المعاملة الآنفة الذكر، يكون في نظر الإسلام طاغوتاً ووثناً يُعبد من دون الله تعالى، يجب البراء منه والكفر به، والدخول في أحزاب وتجمعات هذه صفاتها هو دخول في أحزاب طاغوتية لا يجوز تكثير سوادها في شيء وإن تسمت بأسماء إسلامية وزعمت أنها تعمل لصالح الإسلام والمسلمين.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/20: (من حالف شخصاً على أن يوالي من والاه، ويُعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى، ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء من عسكر الشيطان. ولكن يحسن أن يقول لتلميذه: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله، وتعادي من عادى الله ورسوله، وتعاون على البر والتقوى ولا تعاون على الإثم والعدوان) اهـ.
وقال في موضع آخر من الفتاوى 11/92: (وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا، مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمَّن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرق والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان) اهـ.
أما الولاء الحزبي الممدوح: وهو الولاء الذي يوجبه الإسلام ويحبه ويرضاه؛ وهو الولاء الذي يُعقد في الله ولله، وصورته تكون بمناصرة الجماعة والإخوان في الحق دون الباطل، فيذود عنهم وعن حرماتهم في الحق بالمال والنفس، ويدفع عنهم الشبهات والأذى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويشهد على المحسن بأنه محسن، ويواليه على قدر إحسانه واستقامته، وعلى المسيء بأنه مسيء، ويجافيه على قدر إساءته، كما أمر الله ورسوله من غير زيادة ولا نقصان.
فلا يفرق بين المسلمين على أساس انتمائهم الحزبي أو المشيخي، أو أي انتماء آخر غير الانتماء الديني العقدي، الذي يقوم على أساس التقوى وأيهم أحسن عملاً.
وهذا النوع من الموالاة والمناصرة قد مدحه الإسلام وأمر به المسلمين، كما قال تعالى: {ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 56]، وقال تعالى: {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة: 71].
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من امرئٍ يخذل امرأً مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) .
فتأمل، فهو ينصره لأنه مسلم موحد، أيَّاً كان موقعه ولونه، وكانت لغته وعشيرته وقوميته، وليس لأنه من حزبه أو جماعته، ومن أتباع شيخه.
وكم هو محزن ومؤسف – كما نلاحظ ذلك في كثير من الأمصار – عندما تبتلى جماعة من الجماعات الإسلامية، ويُزج بالمئات والآلاف من شبابها وأفرادها في السجون، ثم أن الجماعات الأخرى والإسلامية أيضاً تنظر لهؤلاء الشباب المبتلى بظلم الطواغيت، بعين المتفرج واللامبالاة ومن دون إبداء أي اكتراث أو اهتمام بقضيتهم، وربما نظروا إليهم بعين الشامت؛ لا لشيء سوى أنهم لا ينتمون إلى أحزابهم وجماعاتهم، وشيوخهم!
وقال صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل: يا رسول الله نصرته مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تكفه عن الظلم، فذاك نصرك إيّاه ) [متفق عليه].
في هذا الحديث النبوي توضيح للفارق بين الولاء الممدوح والولاء المذموم، فالولاء الممدوح يكون بنصره مظلوماً وكفه ظالماً، أما الولاء المذموم يكون بنصره ظالماً كما ينصره مظلوماً!
ثامناً:
إذا أقيمت دولة الإسلام، ونصَّب المسلمون عليهم سلطاناً وخليفة يرأسهم، ويجمع شملهم، ويوحد كلمتهم، ويذود عنهم وعن دينهم وحرماتهم... وجب على الجماعة أو الحزب أن يحل نفسه، وينخرط في الجماعة العامة، ويأتمر بإمرة الإمام العام للمسلمين، وكذلك بقية الأحزاب لعدم وجود ما يبرر وجودها شرعاً، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن شرعية الأحزاب في ظل دولة الإسلام.
وبعد، هذه الشروط الثمانية هي أهم الشروط التي يجب على الجماعة أن تلتزم بها، إن أرادت أن تعطي لوجودها الشرعية، وتقنع جماهير المسلمين بها، وأي جماعة لا تلتزم بهذه الشروط تنفي عن نفسها المبرر الشرعي لوجودها، ويكون عدم وجودها أفضل من وجودها، كما أنه لا يجوز الانضمام إليها أو تكثير سوادها في شيء.
إلى هنا نكون قد أوفينا بحثاً وبياناً مسألة موقف الإسلام من الأحزاب الإسلامية منها وغير الإسلامية، لننتقل إلى موقف الإسلام من التمثيل النيابي، ودخول البرلمانات في ظل الأنظمة الطاغية المعاصرة، وقبل ذلك لا بد من وقفات مع كلام للدكتور القرضاوي قاله على الملأ عبر قناة الجزيرة، له علاقة بموضوع التعددية الحزبية وشرعية العمل الحزبي.
--------------------------------------------------------------------------------
منقول من منبر التوحيد و الجهاد
- angelالمدير العام
- عدد المساهمات : 8871
نقاط : 14094
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
الموقع : عمان
المزاج : إذا ضبطت نفسك متلبساً بالغيرة "على " إنسان ما فتفقد أحاسيسك جيداً فقد تكون في حالة " حب " وأنت "لا تعلم"..
رد: الاسلام و التعددية الحزبية
الأحد يناير 01, 2012 12:22 am
الاسلام و التعددية الحزبية
- ابو ادممشرف عام
- عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 45
الموقع : google
المزاج : مصدهج
رد: الاسلام و التعددية الحزبية
الأحد يناير 01, 2012 3:49 am
اهلا انجل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى