منتدى كلنا الاردن
اهلا وسهلا بك زائرنا العزيز ونتمنى لك الفائدة من خلال منتدنا الذي تشرف بوجودك فيه معنا
وفي انتظار ابداعــــــــــــــــــــــك
منتدى كلنا الاردن منتدى كل الاردنيين

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى كلنا الاردن
اهلا وسهلا بك زائرنا العزيز ونتمنى لك الفائدة من خلال منتدنا الذي تشرف بوجودك فيه معنا
وفي انتظار ابداعــــــــــــــــــــــك
منتدى كلنا الاردن منتدى كل الاردنيين
منتدى كلنا الاردن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اهلا وسهلا بكل الاعضاء والزوار
<p>

منتدنا يفخر بوجودكم معنا وووووووو لانكم الاحلى والاجمل والارقى
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




اذهب الى الأسفل
ابو ادم
ابو ادم
مشرف عام
التاريخ الأندلسي7 4311_1217418931 عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 44
الموقع : google
المزاج : مصدهج

التاريخ الأندلسي7 Empty التاريخ الأندلسي7

الإثنين نوفمبر 21, 2011 8:49 pm
الفترة الثانية من عهد الولاة

ثورات الخوارج في المغرب والأندلستبدأ هذه الفترة سنة 123هـ=741م وحتى سنة 138هـ=755م [1]، وقد شهدت هذه الفترة حروبًا كثيرة ونزاعات متجدِّدة تحكَّمت فيها العصبيات القبلية والعنصرية البغيضة، التي اتخذها ولاة الأندلس في ذلك الحين دَيْنًا لهم في تعاملهم؛ سواء مع العرب أو الأمازيغ (البربر)؛ مما أدَّى إلى ظهور ثورات متعدِّدة، ودخول أفكار جديدة لم تعهدها الأندلس من قبلُ.

ثورات الخوارج بالمغرب

بوفاة عقبة بن الحجاج -رحمه الله- آلت ولاية الأندلس إلى عبد الملك بن قَطَن الفِهْرِيّ مرَّة ثانية 123هـ=742م [2]، وقد حفلت ولايته الثانية هذه بأحداث جسام، كادت أن تعصف بالإسلام في الأندلس كلية، كان أخطرها تجدُّد الصراع العنصري البغيض بين العرب والأمازيغ البربر، وظهور طائفة الخوارج، الذين أشعلوا أُوَار[3] الحرب وقادوا الثورة على عمال بني أمية، الذين أساءوا استعمال السلطة والمعاملة مع الأمازيغ (البربر)؛ مما أتاح للأمازيغ (البربر) اعتناق تلك الأفكار الخارجة عن الدين؛ فقد وجدوا فيها مناصًا لنيل حقوقهم المغتصبة من جَوْر الولاة[4].

بدأت الفتنة الأمازيغية (البربرية) الكبرى في المغرب العربي على يد الخوارج، الذين تغلغلوا في صفوف الأمازيغ البربر ونشروا تعاليمهم، التي لاقت قبولاً واسعًا في المجتمع الأمازيغي البربري، الذي يُعاني من ظلم الولاة، فخرجوا بقيادة زعيمهم ميسرة المطغري –أو المدغري- على حاكم طَنْجَة عمر بن عبد الله المُرَادِيّ وقتلوه، وزحفوا إلى بلاد السوس في الغرب وقتلوا عاملها إسماعيل بن عبيد الله[5]، كان لكل هذا وقع الصدمة على عبيد الله بن الحبحاب والي إفريقية، فجمع جموعه وجيَّش جيوشه؛ ليتدارك الأمر قبل فواته وتعاظم قوَّة الخارجين عليه، فالتقى الفريقان من العرب والأمازيغ البربر عند وادي شليف، وكانت الهزيمة المنكرة للعرب؛ فقد قُتِلَ فيها أشرافهم وفرسانهم وأبطالهم؛ لذلك سميت بمعركة الأشراف وذلك سنة 123هـ=742م [6].

وبلغت أخبار الهزيمة الخليفة هشام بن عبد الملك، فغضب غضبته الشهيرة؛ وقال: «والله! لأغضبنَّ لهم غضبة عربية، ولأبعثنَّ لهم جيشًا أوله عندهم وآخره عندي»[7]. فعزل هشامُ بن عبد الملك عبيدَ الله بن الحبحاب، واستقدمه في جمادى الآخرة سنة 123هـ، وبعث كلثوم بن عياض القُشَيْرِيّ على رأس جيش بلغ ثلاثين ألفًا، وعَهِد له بولاية إفريقية وضَبْط أمورها، وجعل معه ابن أخيه بَلْج بن بشر القُشَيْرِيّ، وثعلبة بن سلامة العَامِلِيّ[8]، واستعدَّ الجيشان العربي بقيادة كلثوم بن عياض والأمازيغي البربري بقيادة خالد بن حميد الزَّنَاتِيّ، واقتتلوا قتالاً شديدًا، لكن دارت الدائرة على العرب، وقُتِلَ قائدهم كلثوم بن عياض، واستطاع بَلْج بن بشر أن ينجو بنفسه وبعضًا من جنده، وتحصَّنوا بمدينة سَبْتَة، وفرض الأمازيغ البربر الحصار على بَلْج ومَنْ معه لمدَّة سنة كاملة 123، 124هـ، وكانوا طوال هذا العام يستغيثون بعبد الملك بن قَطَن والي الأندلس، ولكن بلا مجيب[9]!
ثورات الخوارج في الأندلس

ويبدو أن عَدْوَى الخروج على الحكَّام انتقلت إلى الأندلس، فلم تلبث الثورة أن انتقلت إلى أمازيغ بربر الأندلس، الذين أعلنوا العصيان، وبدءوا بجِلِّيقِيَّة وأستورقة في الشمال الغربي للأندلس حيث الكثافة الأمازيغية البربرية، فقتلوا العرب وطردوهم من البلاد، إلاَّ ما كان من سَرَقُسْطَة فقد كانت الغلبة فيها للعرب[10].

وبعد أن ثَبَّت الأمازيغ البربر أقدامهم في تلك المناطق، زحفوا باتجاه المدن الكبرى للسيطرة عليها من خلال ثلاثة جيوش، وَفْقَ خُطَّة ذكية أدركت مواطن الضعف في الولاية الأندلسية، وعملت على استغلالها:

الأول: إلى طُلَيْطِلَة عاصمة الثغر الأدنى.

الثاني: إلى قُرْطُبَة عاصمة الأندلس.

الثالث: إلى الجزيرة الخضراء في أقصى الجنوب للبلاد.

وأمام هذا الزحف الأمازيغي البربري لم يجد عبد الملك بن قَطَن بُدًّا من الاستعانة ببَلْج وأصحابه المحاصرين في سَبْتَة، وقد كان لا يرضى أن يُغيثهم، ولا يرضى أن يُنزلهم الأندلس حتى أكلتهم المجاعة، فبعث إليهم بالسفن والمئونة، وسمح لهم بالعبور إلى الأندلس؛ لإخماد الثورة الأمازيغية البربرية، التي كادت أن تعصف به[11]، وكانت المواجهة الأولى بين بَلْج بن بشر والجيش الأمازيغي البربري الثالث المتجه ناحية الجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس، وقد وقعت المعركة في ذي القعدة من عام 113هـ على مقربة من شَذُونَة، وأثبت فيها الجنود الشاميون بقيادة بَلْج بن بشر شجاعة وإقدامًا، رجَّحت كِفَّة النصر فيها للعرب، وفي التوقيت نفسه كانت قُرْطُبَة تصدُّ هجمات الجيش الأمازيغي البربري الثاني، وبمجرَّد أن انتصر بَلْج بن بشر على الجيش الثالث لحق بقُرْطُبَة فقاتل مع عبد الملك بن قَطَن الجيشَ البربري الثاني، فهزماه هزيمة ساحقة، حتى لم يبقَ من الأمازيغ البربر إلاَّ الشريد، الذي لحق بالجيش الأول المحاصر لطُلَيْطِلَة، وهناك عند وادي سليط جرت معركة طاحنة سُحق فيها الجيش الأمازيغي البربري الأول، وسُحقت ثورتهم، وتشتَّت جمعهم، وتفرَّقوا في البلاد، ولم تقم لهم بعدها قائمة[12].

[1] بيان ذلك في ثبت الولاة كما هو عند المقري: نفح الطيب 1/298-300، وذكر الولاة كما هو ترتيب ابن عذاري في البيان المغرب 2/22-38.

[2] ابن عذاري: البيان المغرب 2/30، والمقري: نفح الطيب 1/236، وانظر: مجهول: أخبار مجموعة، ص35، وفيه يقول: إن ولايته سنة 21هـ، وكذلك في البيان المغرب 1/53.

[3] الأوار: حر الشمس والنار والدخان واللهب. ابن منظور: لسان العرب، مادة أور 4/35، والمعجم الوسيط 1/32.

[4] انظر في تفاصيل ذلك حسين مؤنس: فجر الأندلس ص170-173، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص79، 80.

[5] مجهول: أخبار مجموعة ص34، 35، وابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 1/237، وابن عذاري: البيان المغرب 1/52.

[6] ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 1/237، وابن عذاري: البيان المغرب 1/53.

[7] ابن عذاري: البيان المغرب 1/54.

[8] مجهول: أخبار مجموعة ص36، وابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 1/239، وابن عذاري: البيان المغرب 1/54، 55، 2/30، والمقري: نفح الطيب 3/20.

[9] مجهول: أخبار مجموعة 37-42، وابن عذاري: البيان المغرب 1/55، 56، 2/30، والمقري: نفح الطيب 3/20، 21.

[10] مجهول: أخبار مجموعة ص42.

[11] مجهول: أخبار مجموعة ص42، 43، وابن عذاري: البيان المغرب 2/30، 31.

[12] انظر تفصيل ذلك عند مجهول: أخبار مجموعة ص43، 44، وابن عذاري: البيان المغرب 2/31، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص174، 176، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص86، 87.

مقتل عبد الملك بن قطن

خرج عبد الملك بن قَطَن مظفَّرًا بعد أن أنهى ثورة الأمازيغ (البربر) في الأندلس، ولكنه لم يطمئن على سلطانه ما دام بَلْج بن بشر وجنوده الشاميون في الأندلس، وكانت هواجس ابن قَطَن في محلِّها، فعندما عرض على بَلْج الجلاء من الأندلس، طبقًا لما اتفقا عليه قبل دخول بَلْج الأندلس، رفض بَلْج بن بشر وجنوده الشاميون أن يعودوا مرَّة أخرى إلى المغرب بعدما أنقذوا الأندلس وابن قَطَن، وقال بَلْج بأنه ولي الأندلس بعهد من عمِّه كلثوم بن عياض، الذي ولاَّه الخليفة أمر المغرب، وأيَّده في هذا ثعلبة بن سلامة، وتنادوا بخلع ابن قطن وتولية بلج، فانحازت إليهم العرب اليمانية في الأندلس، وهجموا على ابن قَطَن -الذي كان قد قارب التسعين من العمر- في قصره بقُرْطُبَة، واعتقلوه ثم صلبوه، وذلك في ذي القعدة 123هـ= سبتمبر 741م[1].

العصبية القبلية بين القيسية واليمنية

العصبية القبليةكان لمقتل عبد الملك بن قَطَن ردُّ فعل مؤلم ومؤثِّر، ألهب مشاعر الحقد والضغينة، وجدَّد الصراع بين القيسية واليمنية؛ فقد توجَّهت جموع المتحالفين مع قَطَن وأمية ابنا عبد الملك بن قَطَن نحو قُرْطُبَة، ودارت بينهم وبين الشاميين معركة ضارية عند أقوة برطورة في شوال (124هـ=742م)، قاتل فيها الشاميون قتالَ مَنْ يطلب الموت دون الحياة؛ فهي معركة مصيرية بالنسبة لهم، فهم إمَّا أن يكونوا بعدها أو ألاَّ يكونوا؛ لذلك كان النصر حليفهم، وفيها أُصيب بَلْج بن بشر بسهم، تسبَّب في موته بعدئذٍ، واختار الشاميون بعده ثعلبة بن سلامة العَامِلِيّ أميرًا عليهم[2].

في هذه الأثناء تجمَّعت جموع المتحالفين مرَّة أخرى ناحية قُرْطُبَة للقضاء على الشاميين، فخرج لهم ثعلبة بن سلامة وجنده إلاَّ أنه هُزم هزيمة منكرة، وانسحب إلى مَارِدَة وتحصن بها، وصادف ذلك عيد الأضحى (10 ذي الحجة 124هـ)، فأحكموا الحصار على الشاميين، واطمأنُّوا إلى النصر وغرَّهم ما هم فيه من القوة، وشعر ثعلبة بذلك؛ فأرسل إلى عامله على قُرْطُبَة يستنجده ويطلب منه المساعدة العسكرية، فوصلت المساعدة من قُرْطُبَة في صبيحة عيد الأضحى، واستغلَّ ثعلبة انشغال المحاصرين عنه باحتفالاتهم، فباغتهم بالهجوم، وكانت مقتلة عظيمة، دفع فيها المتحالفون عليه الثمن باهظًا، ولم يتورَّع الشاميون عن القتل، ولا عن استرقاق أسراهم من الرجال والنساء والأطفال، البالغ عددهم عشرة آلاف أو يزيد، وقد حملهم ثعلبة إلى قُرْطُبَة، وهو يُريد أن يقتلهم جميعًا[3]، إلاَّ أن حنظلة بن صفوان -والي إفريقية للخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك- بعث أبا الخطَّار حسام بن ضرار الكلبي لإنقاذ الموقف في الأندلس، بعد أن كادت العصبية القبلية تعصف به، وذلك في رجب سنة (125هـ=743م)، وقد رضي البلديون والشاميون به[4].

أبو الخطار حسام بن ضرار

وصل أبو الخطَّار على رأس الطالعة الثانية من الشاميين للأندلس بعد طالعة بَلْج بن بشر الأولى، فأظهر العدل والإنصاف، وأطلق سراح الأسرى والسبي، وتوحَّدت كلمة المسلمين في الأندلس، وأنزل أهل الشام في الكُوَرِ، ومن هنا عاد الاستقرار والهدوء النسبي إلى الأندلس حينًا[5].

ولكن يبدو أن داء العصبية والقبلية كان متجذِّرًا في النفوس آنذاك، فما هي إلاَّ أيام حتى غلبت النزعة القبلية على أبي الخطَّار وهو يمني متعصب، ووصلت به عصبيته إلى أن تحاكم إليه يمني وقيسي، وكان القيسي أبلغ حُجة من اليمني، ولكن غلبت عليه عصبيته فحكم لليمني، فما كان للقيسي إلاَّ أنه ذهب إلى زعيم قومه القيسية وهو الصَّمِيل بن حاتم؛ ليطلب حقَّه المسلوب، فذهب الصَّمِيل إلى أبي الخطَّار، فأهان أبو الخطَّار الصَّمِيلَ، وضربه حتى اعوجَّت عمامته، فقال له بعض الحجَّاب وهو خارج من القصر: أقم عمامتك يا أبا الجَوْشَن. فقال: إن كان لي قوم فسيُقِيمُونها[6]. وكان ذلك إيذانًا باشتعال أُوَار الحرب مرَّة أخرى بين القيسية واليمنية.

الصميل بن حاتم

استطاع الصَّمِيل بن حاتم أن يجمع قومه، وأن يستقطب بعض الشخصيات اليمنية الساخطة على أبي الخطَّار من اللخميين والجُذَاميين، كان منهم ثَوَابَة بن سلامة العَامِلِيّ الجُذَامي، الذي وعده الصَّمِيل بالولاية إن هو انتصر على أبي الخطَّار[7].

وعجل أبو الخطَّار إلى لقاء الصَّمِيل وقومه القيسية، وكان اللقاء عند وادي لكة في رجب 127هـ= إبريل 745م[8]، وقد تفرَّق جمع أبي الخطَّار بعد أن تقاعس الكلبيون عن قتال بني عمومتهم من اللخميين والجُذَاميين، ووجد أبو الخطَّار نفسه وحيدًا، فعزم على الفرار إلى قُرْطُبَة، ولكن الصَّمِيل قبض عليه وسجنه وخلعه، وولَّى مكانه ثَوَابَة بن سلامة الجُذَامي عام (128هـ=745م)[9]، فاجتمع رجال اليمنية من أنصار أبي الخطَّار لنصرته، واستطاعوا التغلُّب على حُرَّاسه، وأخرجوه من سجنه بقُرْطُبَة، فأقام بين قبائل كلب وحمص، واعترفوا به واليًا شرعيًّا على الأندلس، وبدأ أبو الخطَّار يأخذ خطوات عملية نحو استعادة مُلكه الضائع، الذي سلبه منه القيسية بزعامة الصَّمِيل، وتوجَّه بجموعه إلى قُرْطُبَة ليأخذها، فخرج إليه ثَوَابَة بن سلامة، فتفرَّق الناس عن أبي الخطَّار، وانسحب بجيشه، ليُعِيدَ الكرة مرَّة أخرى[10].

ولم ينعم ثَوَابَة بن سلامة بمُلك الأندلس طويلاً؛ فقد وافاه الأجل بعد عام من ولايته في المحرم (129هـ=746م)، وبقيَت الأندلس أربعة أشهر بعده دون والٍ، مع أن الصَّمِيل يستطيع أن يُنَادي بنفسه واليًا، إلاَّ أنه لم يفعل، واكتفى برصد اللعبة السياسية وإدارتها من وراء الستار[11].

وقد تميزت هذه الفترة من عهد الولاة بكثرة المرشَّحين للولاية، ولكلٍّ منهم أتباعه، فهذا أبو الخطَّار الكلبي، وهذا يحيى بن حريث الجُذَامي، وهذا عمرو بن ثَوَابَة مدعيًا أنه أحق بالولاية بعد أبيه، وفوق ذلك كله كان عقل الصَّمِيل بن حاتم وتدبيره، وليس أدلَّ على ذلك قوله: «نُقَدِّم رجلاً يكون له الاسم ويكون لنا الحظُّ»[12].
الصميل بن حاتم ويوسف الفهري

اشتد النزاع بين الأطراف المتنازعة على الولاية، وبدا كل منهم متمسكًا برأيه وأحقيته، محتميًا بقومه وعشيرته، وفي هذا الجوِّ المشحون بالعصبية، التي تُفضي إلى التقاتل والتناحر، توصَّل الصَّمِيل إلى حلٍّ يقضي بتقاسم السلطة بين القيسيين واليمنيين على شكل تعاقب سنوي في الحكم[13]، واقتنع الطرفان، وبقيت المشكلة في أول والٍ للأندلس، وقد بادر القيسية بقيادة الصَّمِيل إلى تقديم شخصيتهم الأولى؛ فاقترح الصَّمِيل أن يكون يوسف بن عبد الرحمن الفِهْرِيّ هو أول الولاة، واستطاع الصَّمِيل أن يُرْضِيَ يحيى بن حريث؛ فأعطاه كورة ريَّة فرضي بها وقنع، ووقع الاتفاق بين القيسية واليمنية على يوسف الفِهْرِيّ في جمادى الأولى (229هـ=747م)، على أن يجتمع القوم بعد عام ليختاروا الشخصية اليمنية التي ستلي الأمر بعد يوسف الفِهْرِيّ[14].

معركة شقندة

وما أن استقرَّ الأمر في الأندلس، حتى عزل الصَّمِيل يحيى بن حريث الجُذَامي عن كورة ريَّة، حتى لا تقوى شوكته مرَّة أخرى ويكثر أنصاره من اليمنية؛ فاشتدَّ غضب يحيى بن حريث لهذا القرار، وسارت رُوح العصبية مرَّة أخرى، ووضع يحيى بن حريث يده في يد أبي الخطَّار، فاجتمعت كلمة الجُذَامِيين والكلبيين وباقي اليمنية في الأندلس لمناصرة يحيى بن حريث، واجتمعت كلمة مضر وربيعة لمناصرة يوسف الفِهْرِيّ والصَّمِيل بن حاتم[15].

وزحف أبو الخطَّار ويحيى بن حريث ناحية قُرْطُبَة، وعسكر الجيش عند نهر قُرْطُبَة (الوادي الكبير) عند قرية شقندة، وعبر الصَّمِيل والفِهْرِيّ وجنودهما إليهما، ودارت معركة شقندة (130هـ=747م)[16]، وقد استمرَّ القتال سجالاً بين الفريقين، حتى استعان الصَّمِيل بعَوَامِّ السُّوقِ وغوغائها، فاشترك أربعمائة منهم في القتال، ليس لهم همٌّ إلاَّ القتل، فلمَّا رأى اليمنيون ذلك دبَّ الرعب في قلوبهم، وخارت عزائمهم، وأثخن القيسية فيهم القتل، وكان منهم عمرو بن حريث وأبو الخطَّار الكلبي الذي قُتِلَ بعد أن وقع في الأسر، وأراد الصَّمِيل أن يشفي غليله وأحقاده من اليمنية، فأمر بالأسرى أن يُقتلوا صبرًا، فقُتِلَ منهم سبعون، ثم تَدَخَّل حليفه أبو العطاء الجُذَامي فأمره أن يكُفَّ عن المذبحة فكَفَّ[17]، وهكذا كُسرت شوكة اليمنية في الأندلس ودانت البلاد لأمر الفِهْرِيّ والصَّمِيل، لا ينازعهما فيها أحد.

ولاية يوسف الفهري الفعلية على الأندلس

يبدو أن يوسف الفِهْرِيّ أردا الخلاص من تلك الوصاية الفعلية عليه من قِبَل الصَّمِيل، فأمر بتعيين الصَّمِيل عاملاً له على إقليم سَرَقُسْطَة في عام (132هـ=750م)، وقبِلَ الصَّمِيل.

ولكن لماذا وافق الصَّمِيل على عرض الفِهْرِيّ وقَبِلَ هذا الإبعاد المتعمَّد؟!

كانت بلاد الأندلس تمرُّ بفترة قحط ومجاعة عظيمة؛ نتيجة للحروب المتزايدة بين العرب اليمنية والقيسية، وبين العرب والبربر، ودامت هذه المجاعة خمس سنوات (131-136هـ=749-755م)، وقد سلم من هذه المجاعة إقليم سَرَقُسْطَة، فكان في حالٍ من الرغد والخير؛ لذلك قَبِل الصَّمِيل العرض، كما أن الصَّمِيل فطن إلى أن يوسف الفِهْرِيّ ما بعثه إلى سَرَقُسْطَة إلاَّ ليذل به اليمنية وهم أكثر أهلها، إلاَّ أن الصَّمِيل فتح خزائنه ولم يأتهِ صديق ولا عدوٌّ إلاَّ أعطاه[18].

خلا الجوُّ للفِهْرِيِّ في قُرْطُبَة، فلم يَعُدِ الصَّمِيل وصيًّا عليه، ولكن يوسف الفِهْرِيّ كان ضعيف الشخصية ولم يكن له في أمور السياسة، فثار الناس عليه، وخرج عليه عامر بن عمرو العَبْدَرِيُّ، وهو يمني[19] خاف أن يفعل الصَّمِيل باليمنية في سَرَقُسْطَة ما فعله بهم في شقندة وما بعدها، وكان باستطاعة يوسف الفِهْرِيِّ أن يقضي عليه في قُرْطُبَة إلاَّ أن جبنه وتردُّده حال دون ذلك؛ إذ رأى أن يأخذ برأي الصَّمِيل أولاً، فنصحه الصَّمِيل بقتله، وفطن عامر العَبْدَرِيُّ لمحاولة يوسف الفِهْرِيِّ قتله، فصرف عامر العَبْدَرِيُّ نظره عن قُرْطُبَة، وأراد أن يقوم بعمل يقضي به على شوكة الصَّمِيل ويوسف الفِهْرِيِّ، وبما أن الرجل كان يمنيًّا متعصبًا، فقد فكَّر في الالتجاء إلى اليمنية في سَرَقُسْطَة، والتحالف معهم على القضاء على القيسية، فكاتب زعيمًا من زعمائهم وهو الحباب الزهري، فاجتمعت كلمة اليمنية، وعزموا على حصار الصَّمِيل في سَرَقُسْطَة، وذلك في عام (136هـ=753م) [20].

فلما اشتدَّ الحصار على الصَّمِيل بعث إلى يوسف الفِهْرِيِّ يطلب نجدته وعونه، ولكن يوسف الفِهْرِيّ تباطأ في الردِّ عليه، ويبدو أن الفِهْرِيَّ كان سعيدًا مسرورًا؛ لأنه سيتخلَّص من وصاية الصَّمِيل الثقيلة عليه، إلاَّ أن أتباع الصَّمِيل من القيسيين جمعوا جموعهم لنصرة زعيمهم الصَّمِيل، وانضمَّ إليهم نفر من بني أمية ومواليهم –لغرض غامض سنكشفه بعد قليل- وكان على رأسهم أبو عثمان عبيد الله بن عثمان، وعبد الله بن خالد[21].

وانطلقت جموع القيسية ومعهم بنو أمية ومواليهم لنجدة الصَّمِيل، وما كادت تصل طلائعها حتى جزع المحاصِرون ورفعوا الحصار عن الصَّمِيل، وعلى الفور انطلق الصَّمِيل ناحية قُرْطُبَة، ثم هاجم عامر العَبْدَرِيُّ والزهري سَرَقُسْطَة فاستوليا عليها، ثم أن الصَّمِيل ويوسف الفِهْرِيّ هاجما المدينة، ووقع العَبْدَرِيُّ والزهري في قبضة الصَّمِيل الذي أمر بقتلهما[22].

[1] مجهول: أخبار مجموعة ص 45، وابن عذاري: البيان المغرب 31، 32، والمقري: نفح الطيب 3/19.

[2] مجهول: أخبار مجموعة ص45-47، وابن عذاري: البيان المغرب 1/56، 2/32، والمقري: نفح الطيب 3/22.

[3] مجهول: أخبار مجموعة ص47، وابن عذاري: البيان المغرب 2/32، والمقري: نفح الطيب 1/237، 3/22.

[4] مجهول: أخبار مجموعة ص48، وابن عذاري: البيان المغرب 2/33، 34، والمقري: نفح الطيب 1/237، 3/22.

[5] مجهول: أخبار مجموعة ص48، 49، والمقري: نفح الطيب 3/22، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص91، 92، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص189، 190.

[6] مجهول: أخبار مجموعة ص57، وابن عذاري: البيان المغرب 2/34، والمقري: نفح الطيب 3/23.

[7] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35.

[8] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35، والمقري: نفح الطيب 3/24.

[9] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35، والمقري: نفح الطيب 3/24، 95، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص194، 195.

[10] مجهول: أخبار مجموعة ص58، 59، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35، والمقري: نفح الطيب 3/24.

[11] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35، والمقري: نفح الطيب 3/25، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص97.

[12] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35، والمقري: نفح الطيب 3/25.

[13] محمد سهيل طقوش تاريخ المسلمين في الأندلس ص98.

[14] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35.

[15] مجهول: أخبار مجموعة ص59، وابن عذاري: البيان المغرب 2/36.

[16] مجهول: أخبار مجموعة ص60، وابن عذاري: البيان المغرب 2/36، والمقري: نفح الطيب 1/238، 3/25، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص99، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص197، 198.

[17] مجهول: أخبار مجموعة ص60، 61، وابن عذاري: البيان المغرب 2/36، 37، والمقري: نفح الطيب 3/25، 26.

[18] مجهول: أخبار مجموعة ص62، وابن عذاري: البيان المغرب 2/37.

[19] مجهول: أخبار مجموعة ص63.

[20] مجهول: أخبار مجموعة ص63، 64، وابن عذاري: البيان المغرب 2/37، والمقري: نفح الطيب 1/238، وطقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص102، 103، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص201.

[21] مجهول: أخبار مجموعة ص65.

[22] مجهول: أخبار مجموعة ص65-67، وابن عذاري: البيان المغرب 2/37، والمقري: نفح الطيب 1/238، وطقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص102، 103، وحسين مؤنس: فجر الأندلس ص202، 203.


الخلافة الأموية في الشرق
الوليد بن يزيد بن عبد الملك

الدولة الأموية في عهد هشام بن عبد الملك

بعد وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك عام (125هـ) بدأت عوامل الضعف تسري في جسد الدولة الأموية، وبدت الخلافة وكأنها تسير نحو الهاوية؛ فبوفاة الخليفة هشام بدأت الاضطرابات والفتن والقلاقل تظهر على مسرح الأحداث، واستمرَّ الأمر كذلك نحوًا من سبع سنوات داخل البيت الأموي نفسه، فبعد وفاة هشام بُويع للخلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك (الوليد الثاني)، وقد استهلَّ الوليد خلافته بالاهتمام بأحوال رعيته اهتمامًا شاملاً، ثم ما لبث أن ارتكب جنايات كثيرة؛ كان أعظمها تنكيله ببني عمه سليمان وهشام، وتنكيله بكبار رجال دولته، ثم إظهاره للمجون والخلاعة والعبث؛ مما عجَّل بسقوط مُلْكه وخلافته، ثم قتله.

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

قُتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك إثْرَ ثورة قام بها يزيد بن الوليد بن عبد الملك اشترك معه فيها أمراء البيت الأموي واليمنية، وما أن تمَّت البيعة ليزيد بن الوليد (يزيد الثالث) حتى قامت المعارضة العنيفة في وجهه، وتزعَّمها أبناء عمومته، كما ثارت عليه الأقاليم الشامية، فلم يهنأ بخلافته طويلاً، ولم تَدُمْ خلافته سوى ستة أشهر (جمادى الآخرة - ذو الحجة سنة 126هـ)؛ حيث توفي في ذي الحجة، ليترك الشام -وهي الحصن الحصين للدولة الأموية- تشتعل نارًا، كما ترك أبناء أسرته منقسمين على أنفسهم، منشغلين بصراعاتهم عن الأخطار المحدقة بهم، وبصفة خاصة الخطر العباسي.
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

ثم بُويع إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك عام (127هـ)، ولكن لم يتم له الأمر؛ إذ انقلب عليه مَرْوَان بن محمد وانتصر عليه في عين الجر، وبويع له بالخلافة في ربيع الآخر (127هـ)، فكانت مدَّة خلافة إبراهيم بن الوليد ما يقرب من أربعة أشهر.

مروان بن محمد (الحمار)

تسلَّم مَرْوَان بن محمد الخلافة الأموية ليُصَارع أحداثًا أقوى منه، ويُواجه دنيا مُدبِرَة ودولة ممزقة، قُدِّرَ له أن يكتب الفصل الأخير من حياتها، فبعد حالة من السكون والاستقرار إِثْر بيعة مَرْوَان بن محمد بالخلافة، اندلعت الثورات في كل مكان في الدولة؛ فهناك ثورة في حمص، وأخرى في الغوطة، وثالثة في فلسطين، واضطرابات في العراق قام بها الخوارج والشيعة، وأخطر من ذلك كله كان انقلاب أمراء البيت الأموي عليه؛ كسليمان بن هشام بن عبد الملك، وعبد الله بن عمر بن العزيز، وقد كان انهماك مَرْوَان الثاني في إخماد الثورات والفتن؛ سببًا في انشغاله عن الاهتمام بما كان يجري في المشرق، خاصَّة في خراسان التي كانت مركزًا للدعوة العباسية، وقد انتشرت في المنطقة انتشارًا واسعًا، واستقامت الأمور فيها لبني العباس؛ مما أدَّى إلى اقتناع الدعاة العباسيين بأن الوقت قد حان للجهر بها، وبدأت رايات العباسيين تنساح في البلاد انسياحًا سريعًا.

معركة الزاب

التقت سيوف الأمويين والعباسيين، ودارت بين الجيشين رحى معركة عنيفة عند نهر الزاب في شهر جمُادَى الآخرة عام (132هـ)، استمرَّت أحدَ عشرَ يومًا انتهت بهزيمة مَرْوَان بن محمد ثم قَتْلِه، لتبدأ حِقبة جديدة في التاريخ الإسلامي، هي الخلافة العباسية.

أهم أحداث الفترة الثانية من عهد الولاة في الأندلس

نظرًا لتفاعل الأمور السابقة بعضها مع بعض، نستطيع بإيجاز شديد أن نُلَخِّص أهمَّ الأحداث التي تمخَّضت عنها الفترة الثانية والأخيرة من عهد الولاة فيما يلي:

أولاً: فُقِدَت كثير من الأراضي الإسلامية في فرنسا[1].

ثانيًا: ظهرت مملكة نصرانية في الشمال الغربي عند منطقة الصخرة، تُسَمَّى مملكة (ليون)([2].

ثالثًا: انفصل إقليم الأندلس عن الخلافة الإسلامية -الأموية في ذلك الوقت- وذلك على يد يوسف بن عبد الرحمن الفِهْرِيّ[3].

رابعًا: انقسمت الأندلس إلى فرقٍ عديدةٍ متناحرة، وثورات لا نهاية لها، فكلٌّ يُريد التملك والتقسيم وفق عنصره وقبيلته.

خامسًا: أمر خطير جدًّا وهو ظهور فكر الخوارج، الذين جاءوا من الشام، واعتناق الأمازيغ (البربر) له؛ وذلك أن الأمازيغ (البربر) كانوا يُعانون ظلمًا شديدًا وعنصرية بغيضة من قِبَل يوسف بن عبد الرحمن الفِهْرِيِّ؛ مما مهَّد عقولهم لقبول هذا الفكر الخارج عن المنهج الإسلامي الصحيح واعتناقه؛ خَلاصًا مما يحدث لهم ممَنْ ليسوا على فكر الخوارج[4].

سادسًا: زاد من خطورة هذا الموقف ذلك الحدث الجسيم الذي صدع الأمة الإسلامية في سنة (132هـ=750م)، وهو سقوط الخلافة الأموية وقيام الخلافة العباسية، الذي كان قيامًا دمويًّا رهيبًا، انشغل فيه العباسيون بالقضاء على الأمويين؛ ومن ثَمَّ فقد ضاعت قضية الأندلس وغابت تمامًا عن الأذهان.

ونتيجة لهذه العوامل جميعًا فقد أجمع المؤرخون على أن الإسلام كاد أن ينتهي من بلاد الأندلس، وذلك في عام (138هـ=755م)، وأصبح أمر الأندلس يحتاج في إصلاحه إلى معجزة إلهية، وبالفعل حدثت المعجزة بفضلٍ من الله ومَنٍّ وكرمٍ منه على المسلمين؛ وذلك بدخول رجل يُدعَى عبدَ الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي إلى أرض الأندلس، وذلك في شهر ذي الحجة عام (138هـ= مايو 756م).

ملامح عهد الولاة الثاني
حُبُّ الدنيا

في أول هذا العهد كانت الأموال كثيرة والغنائم ضخمة، وفُتِحَت الدُّنيا عليهم، في حين يقول رسول الله : «إِنَّ مِمَّا أَخَاُف عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا»[5]. وهكذا فُتِحَت الدنيا على المسلمين وانخرطوا فيها؛ فتأثَّر بذلك إيمانُهم.

ظهور العنصرية والقبلية

وتبعًا لتأثُّر الإيمان ظهرت العنصرية بصورة كبيرة، وحدثت انقسامات كثيرة في صفوف المسلمين داخل الأندلس؛ حدثت انقسامات بين العرب والأمازيغ (البربر)، وكانت جذور هذه الانقسامات منذ بلاط الشهداء، ثم حدثت انقسامات بين العرب أنفسِهم، بين المضريين والحجازيين، وبين العدنانيين (أهل الحجاز) والقحطانيين (أهل اليمن)؛ حتى إنه كانت هناك خلافات وحروب كثيرة بين أهل اليمن وأهل الحجاز، ولقد وصل الأمر إلى أن حدثت انقسامات بين أهل الحجاز أنفسِهم؛ بين الفِهْرِيين وبين الأمويين، بين بني قيس وبني ساعدة، وهكذا انقسم أهل الحجاز بعضهم على بعض[6].

ظلم الولاة

وإضافة إلى حبِّ الغنائم وتفاقم ظاهرة القبلية والنزعة العنصرية، وكخطوة لاحقة لهذا ظهر ما يمكن أن نُسمِّيه ظلم الولاة، فقد تولَّى أمر المسلمين في الأندلس ولاة ظلموا الناس وألهبوا ظهورهم بالسياط؛ كان منهم -على سبيل المثال- عبد الملك بن قَطَن، فقد كان ظالمًا جائرًا[7].

وعلى دربه سار يوسف بن عبد الرحمن الفِهْرِيّ الذي تولَّى عام (130هـ=748م) وحتى آخر هذه الفترة، وآخر عهد الولاة كلية سنة (138هـ= 755م)[8]، فحدثت انكسارات جديدة وثورات عديدة داخل بلاد الأندلس [9].

تَرْك الجهاد

كنَّا نتحدَّث منذ قليل عن الانتصارات الإسلامية والتاريخ المجيد، وفتح الأندلس وفتح فرنسا، ثم ها هي ذي الدنيا قد تمكَّنت من القلوب، وها هي ذي العنصرية قد ظهرت، وها هو ذا ظلم الولاة يُسْلِمُ الناس إلى هذه الثورات، وكردِّ فعل طبيعي جدًّا لكلِّ هذا ترك الناسُ الجهاد، وتوقَّفت الفتوحات في فرنسا، وتوقَّفت الحروب ضد النصارى في الشمال الغربي في منطقة الصخرة، التي كان يتمركز بها مجموعة من النصارى منذ الفتح الأول لبلاد الأندلس، وكقاعدة ربانية وسُنَّة إلهية فما تَرَكَ قومٌ الجهاد في سبيل الله إلاَّ ضرب الله عليهم الذلَّ، يروي أبو داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول قال: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ[10]، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ[11]، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ، لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»[12]. وهكذا كان الحال حين ترك المسلمون الجهاد في فرنسا وأرض الأندلس، فسَلَّط الله عليهم الذلَّ، وانقسموا على أنفسهم، وانشغلوا بدنياهم.

[1] انظر تفاصيل ذلك عند حسين مؤنس: فجر الأندلس ص239-251.

[2] انظر تفصيل ذلك في فجر الأندلس، ص255-286.

[3] ابن عذاري: البيان المغرب 1/62.

[4] مجهول: أخبار مجموعة ص42، وابن عذاري: البيان المغرب 1/54.

[5] البخاري: كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى (1396) عن أبي سعيد الخدري، ومسلم: كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، رقم (1052).

[6] انظر تفاصيل ذلك عند حسين مؤنس: فجر الأندلس، ص129-79، ص183-203.

[7] المقري: نفح الطيب 1/236، 3/19.

[8] مجهول: أخبار مجموعة ص58، وابن عذاري: البيان المغرب 2/35-38، والمقري: نفح الطيب 1/238، 3/25.

[9] انظر التفصيل عند ابن عذاري: البيان المغرب 2/38.

[10] بيع العينة: هو أن يبيع الرجل شيئًا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر. العظيم آبادي: عون المعبود 9/242، والمناوي: فيض القدير 1/403.

[11] وأخذتم أذناب البقر: كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث. المناوي: فيض القدير 1/403.

[12] أبو داود: كتاب الإجارة، باب النهي عن العينة (3462)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (11).

نشأة عبد الرحمن الداخل

صقر قريش عبد الرحمن الداخللكي نفهم قصة دخول عبد الرحمن بن معاوية إلى أرض الأندلس، يجب أن نعود إلى الوراء قليلاً حتى سنة (132هـ=750م)، وهو زمن سقوط الدولة الأموية في المشرق، فقد قتل العباسيون كلَّ مَن كان مُؤَهَّلاً من الأُمَوِيِّين لتولِّي الخلافة؛ فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء وأبناء أبناء الأمراء (الأحفاد)، إلا قلَّة ممَّن لم تصل إليهم سيوفُهم[1].



وكان من هؤلاء الذين لم تصل إليهم سيوف بني العباس- عبدُ الرحمن بن معاوية حفيدُ هشام بن عبد الملك الذي حكم من سنة (105هـ=723م) إلى سنة (125هـ=743م).



وقد نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عَمَّ أبيه يراه أهلاً للولاية والحكم، وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، فترك ذلك في نفسه أثرًا إيجابيًّا، ظهرت ثماره فيما بعدُ[2]، ولما بلغ رَيْعَانَ شبابه انقلب العباسيون على الأمويين، وأعملوا فيهم السيف -كما ذكرنا- حتى لا يُفَكِّر في الخلافة أحدٌ منهم؛ فكانوا يقتلون كلَّ مَنْ بلغ من البيت الأموي، ولا يقتلون النساء والأطفال، وكان هذا في سنة (132هـ).


هروب عبد الرحمن الداخل

هرب عبد الرحمن بن معاوية من مكانه ومستقره في قرية دير خنان من أعمال قنسرين بالشام إلى بعض القرى في العراق ناحية الفرات، ولكن المطاردة العباسية المحمومة –بما جنَّدته من مكافآت وعيون تبلغها الأنباء- بلغته في مكانه، وبينما كان يجلس في بيته؛ إذ دخل عليه ابنه ذو الأربع سنوات يبكي فزعًا، وكان عبد الرحمن بن معاوية مريضًا معتزلاً في الظلام في ركن من البيت؛ لأنه كان يُعاني من رمد في عينه، فأخذ يُسَكِّن الطفل بما يُسكَّن به الأطفال، إلاَّ أن الطفل ظلَّ فزعًا مرعوبًا لم يهدأ، فقام معه عبد الرحمن بن معاوية فوجد الرايات السود (رايات الدولة العباسية) خارج البيت، وكانت تعمُّ القرية جميعها، فعلم أنَّه مطلوب، فرجع عبد الرحمن بن معاوية وأخذ أخاه هشام بن معاوية وما معه من نقود، وترك النساء والأطفال وكل شيء؛ لأنه يعلم أنهم لن يمسوهم بسوء.



وانطلق عبد الرحمن هاربًا –ومعه أخوه هشام- نحو الفرات، وعند الفرات أدركتهما خيول العباسيين، فألقيا بأنفسهما فيه وأخذا يسبحان، ومن بعيد ناداهما العباسيون: أن ارجعا ولكما الأمان. وأقسموا لهما على هذا، كانت الغاية أن يقطعا النهر سباحة حتى الضفة الأخرى، إلاَّ أن هشامًا لم يقوَ على السباحة لكل هذه المسافة، ثم أثَّر فيه نداء العباسيين وأمانهم، فأراد أن يعود، فناداه عبد الرحمن يستحثُّه ويُشَجِّعه: أن لا تَعُدْ يا أخي، وإلاَّ فإنهم سوف يقتلونك. فردَّ عليه: إنهم قد أَعْطَوْنَا الأمان. ثم عاد راجعًا إليهم، فما أن أمسك به العباسيون حتى قتلوه أمام عيني أخيه، وعَبَر عبد الرحمن بن معاوية النهر وهو لا يستطيع أن يتكلَّم، أو يُفَكِّر من شدَّة الحزن على أخيه ابن ثلاث عشرة سنة، ثم اتجه إلى بلاد المغرب؛ لأن أمَّه كانت من إحدى قبائل الأمازيغ (البربر)، فهرب إلى أخواله هناك، في قصة هروبٍ طويلة جدًّا وعجيبة -أيضًا- عبر فيها الشام ومصر وليبيا والقيروان[3].



وصل عبد الرحمن بن معاوية إلى بَرْقَة (في ليبيا)، وظلَّ مختبئًا فيها خمس سنين إلى أن يهدأ الطلب والمطاردات، ثم خرج إلى القيروان، وكانت القيروان حينئذٍ في حكم عبد الرحمن بن حبيب الفهري([4]، وكان قد استقلَّ -فعليًّا- بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية.



كان عبد الرحمن بن حبيب من نسل عقبة بن نافع فاتح المغرب الأول، وكان ابن عم يوسف الفهري الذي كان يحكم الأندلس، وكان يرغب في أن يحكم الأندلس -أيضًا- إذ الأندلس تَبَعٌ للمغرب، وكان ظهور عبد الرحمن بن معاوية مما يُعَطِّل هذه الأماني.


لماذا يعطل ظهور عبد الرحمن بن معاوية آمال عبد الرحمن بن حبيب الفهري؟

إجابة هذا السؤال فيها جانب واقعي تقريري، وجانب آخر طريف يتمثَّل في النبوءة!

عبد الرحمن بن حبيب صاحب القيروان، والحاكم الفعلي لمنطقة الشمال الإفريقي، وابن عم صاحب الأندلس يوسف الفهري، يعلم أن عبد الرحمن بن معاوية -وهو الأموي سليل بيت الخلافة الأموية التي فتحت هذه البلاد، ونصبت هؤلاء الولاة على مقاليدها، وكانت تملك عزلهم وتوليتهم- لا يسعه أن يجلس في بيته قانعًا من الحياة بالعيش الطيب فحسب، بل لا بُدَّ له أن يطلب حقه في مُلك آبائه وأجداده الخلفاء، فما هذه إلاَّ بلاد هم الذين افتتحوها وملكوها وحكموها بالإسلام.



وهذا في الواقع صحيح جدًّا، وهو -بالمناسبة- التفسير الذي يُفَسِّر تلك الدموية البالغة التي استعملتها الدولة العباسية في القضاء على الأمويين؛ إذ ما دام وُجد أمويٌّ أو عصبة أموية فإنها لن تفتأ تُفَكِّر في استعادة مُلكها المغصوب؛ ومن هنا كان لا بُدَّ من اجتثاث الأمويين تمامًا لإنهاء هذه المعضلة الخطيرة، والتي أخطر ما فيها مسألة «الشرعية»؛ إذ حُكْم بني أمية لهذه البلاد بعد أن فتحوها بجهادهم لا يُشَكُّ في شرعيته، بينما انقلاب العباسيين على الأمويين موضع أخذ وردٍّ وقيل وقال.



فظهور أموي في بلاد المغرب كعبد الرحمن بن معاوية يفتح في ذهن صاحب المغرب –كما سيفتح في ذهن صاحب الأندلس فيما بعدُ- بابًا من الخوف والتوجُّس والانزعاج؛ إذ الأموي أحق بحكم تلك البلاد، وهي من ميراث أجداده الخلفاء العظام.



دار هذا في ذهن عبد الرحمن بن حبيب، ولا شَكَّ أنه دار -أيضًا- في ذهن كلِّ صاحب رأي، وكل مَنْ كان من أهل الحلِّ والعقد والرئاسة والزعامة. هذا هو الجانب الواقعي.


نبوءة مسلمة بن عبد الملك

أمَّا الجانب الطريف فهو مسألة النبوءة!

أجمعت كتب التاريخ على أن مسلمة بن عبد الملك -الفاتح العظيم وفارس بني أمية الذي تولَّى فتح بلاد الشمال والقوقاز كما ذكرنا- كان يتنبَّأ بزوال مُلك بني أمية في المشرق، ثم هروب فتى منهم لإحيائه في بلاد المغرب مرَّة أخرى! وتزيد بعض الكتب فتقول بأنه كان يتوقَّع أن يكون عبد الرحمن بن معاوية هو هذا الفتي الذي سيُقيم مُلك الأمويين في المغرب بعد زواله في المشرق.



وبهذه النبوءة يُفَسِّر كثير من المؤرخين أحداث هذه الفترة، فيُفَسِّرون بها إصرار العباسيين على مطاردة عبد الرحمن بن معاوية خاصة، ويُفَسِّرون بها اتجاه عبد الرحمن بن معاوية إلى بلاد المغرب، ويفسرون بها حُبَّ هشام بن عبد الملك ورعايته لحفيده عبد الرحمن هذا دون غيره من أبنائه وأحفاده، ويفسرون بها -أيضًا- سعي عبد الرحمن بن حبيب لقتل عبد الرحمن بن معاوية في القيروان.



وما يزيد في الطرافة أن النبوءة تقول بأن صاحب الأندلس يُرسل شَعْرَه ويجعل فيه ضفيرتين، فكان عبد الرحمن بن معاوية بهذا الوصف، وكذا كان عبد الرحمن بن حبيب أيضًا[5].

ما حقيقة هذه النبوءة في الواقع التاريخي؟

الحقيقة أن النبوءات دخلت في العديد من أحداث التاريخ، ولكن -على حدِّ علمي- في كل هذه الأحداث ليس من دليل يقول بأن هذه النبوءة وُجدت أو قيلت قبل وقوع الأحداث نفسها، ثم جاءت الأحداث تصدق النبوءة.



وهذه النبوءة التي نحن بصددها لا تختلف عن هذا، فليس في كتب التاريخ التي وصلت إلينا ما يُؤَيِّد أنها نبوءة ظهرت قبل وقوع الأحداث، لا سيما وأننا نتحدَّث عن تاريخ مبكِّر جدًّا، في بداية القرن الثاني الهجري، قبل أن تُكتب المصادر التاريخية التي بين أيدينا.



والشاهد في موضوعنا أن عبد الرحمن بن حبيب كان يرجو هو -أيضًا- أن يكون صاحب الأندلس، فهو من أبناء الملوك، وهو صاحب جديلتين؛ ومن ثَمَّ فظهور مَنْ يُنافسه في النبوءة -أيضًا- كان من الخطر الذي لا بُدَّ من التخلُّص منه.



وكان عبد الرحمن بن حبيب قد عرف بخبر النبوءة من خادم يهودي له كان قد خدم مسلمة بن عبد الملك، فأوصل ذلك الخادم لعبد الرحمن بن حبيب نبوءة مسلمة من أن قرشيًّا أمويًّا يملك بلاد المغرب بعد زوال الأمر من المشرق[6].



ولما كثر الهاربون الأمويون الواصلون إلى أرض المغرب، ازدادت خشية عبد الرحمن بن حبيب من تَكَوُّن عصبة أموية في بلاده، فأخذ في طرد الكثير منهم، وقتل اثنين من أبناء الوليد بن يزيد، وتزوَّج غصبًا بأخت إسماعيل بن أبان بن عبد العزيز بن مروان، وأخذ مالاً له، ثم جدَّ في طلب عبد الرحمن بن معاوية[7].


إلى بلاد الأندلس

بلغ ذلك عبد الرحمن الداخل الذي ما كان له أن تفوته مثل هذه الأمور، فلما أن طلبه عبد الرحمن بن حبيب كان قد خرج من القيروان إلى تادلا، ومنها إلى مضارب قبيلة نفزة بالمغرب الأقصى، وهم أخواله؛ إذ إن أمَّ عبد الرحمن كانت جارية من نفزة، ولم يكن الوضع هناك بالآمن؛ إذ إن وجود الخوارج في هذه المنطقة -وهم الذين يكرهون الأمويين- كان يجعل مقامه هذا -أيضًا- مقامًا على شفا جرف هارٍ[8].



في الواقع لم يَعُدْ أمام عبد الرحمن بن معاوية إلاَّ بلاد الأندلس، وإذا جرينا وراء النبوءة فيمكننا أن نقول بأن بلاد الأندلس لم تكن فقط وجهته الوحيدة، بل كانت -أيضًا- مطلبه وغايته وهدفه القديم منذ أن سمعه صبيًّا من عم أبيه مسلمة بن عبد الملك.



فعبد الرحمن مطلوب الرأس في أيِّ قُطْرٍ من بلاد المسلمين؛ ففي أقصى الشرق من فارس وما يليها تكمن شوكة العباسيين ومعقلهم الرهيب، وقد كانت فارس في هذه الأثناء تحت حكم الرجل القوي الجبار أبو مسلم الخراساني، الذي لُقِّبَ بحجاج بني العباس، وفي العراق عاصمة العباسيين، وفي الشام ومصر سلطة العباسيين مكينة كذلك، وفي الشمال الإفريقي وبلاد المغرب الإسلامي مطلوب من عبد الرحمن بن حبيب والخوارج.



هذا من ناحية الأخطار التي يمكن أن تحيط بالفرد العادي إن كان مطلوبًا، فكيف وهو من بني أمية الذين لا يأمن أحد الملوك على ملكه وتحت سلطانه واحد منهم؟! لم يكن يسعه في الحقيقة إلاَّ أن يعيش أميرًا أو ملكًا، وإلاَّ فلن يعيش. بذا قضى قانون الواقع على عبد الرحمن بن معاوية.

كانت الأندلس أصلح البلدان لاستقباله؛ وذلك لأنها:

أولاً: أبعد الأماكن عن العباسيين والخوارج.

وثانيًا: لأن الوضع في الأندلس ملتهب جدًّا؛ وذلك على نحو ما ذكرنا في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري في نهاية الفترة الثانية من عهد الولاة؛ ففي هذا الجوُّ يستطيع عبد الرحمن بن معاوية أن يدخل هذه البلاد؛ ولو كانت تابعة للخلافة العباسية ما استطاع أن يدخلها، كما أنها لو كانت على فكر الخوارج ما استطاع -أيضًا- أن يدخلها؛ فكانت الأندلس أنسب البلاد له على وُعُورَتها واحتدام الثورات فيها.

[1] انظر تفصيل ذلك عند ابن كثير: البداية والنهاية 10/48، وتاريخ ابن خلدون، 3/132.

[2] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/41، والمقري: نفح الطيب 1/328، 3/53.

[3] المقري: نفح الطيب، 3/28، وما بعدها.

[4] الذهبي: تاريخ الإسلام، 8/25.

[5] انظر في أخبار النبوءة: مجهول: أخبار مجموعة ص53، 54، والمقري: نفح الطيب 1/238، 3/53، والناصري: الاستقصا 1/175.

[6] ابن عذاري: البيان المغرب 1/156.

[7] المقري: نفح الطيب 3/29، والناصري: الاستقصا 1/175.

[8] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 2/41، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 8/244.

خطة دخول الأندلس

عبد الرحمن الداخل في الأندلسفي سنة (136هـ=753م) بدأ عبد الرحمن بن معاوية (عبد الرحمن الداخل) يُعِدُّ العُدَّةَ لدخول الأندلس، فعمل على الآتي:

أولاً: أرسل مولاه بدرًا إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثِّرة في الحُكم فيها، فلقد كانت الأندلس في تنازع بين اليمنية –وزعيمهم أبو الصباح اليحصبي- والقيسية -وزعيمهم أبو جوشن الصميل بن حاتم- وهم الذين كانوا عمادًا لدولة عبد الرحمن بن يوسف الفهري[1].



ثانيًا: راسل كلَّ محبِّي الدولة الأموية في أرض الأندلس بعد أن علِمَهم من مولاه بدر[2]، والحقُّ أن كثيرًا من الناس في عهد الدولة الأموية وفي غيرها كانوا يُحِبُّون الأمويين كثيرًا، فمنذ ولاية معاوية بن أبي سفيان t على الشام في خلافة عمر بن الخطاب t، وفي خلافة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب-رضي الله عنهم جميعا، والمسلمون في أقطار الدولة الإسلامية يحبُّون بني أمية حبًّا شديدًا، فقد اشتهر بنو أمية على مَرِّ العصور بالسخاء والسياسة والحكمة، واكتساب ثقة الناس وحُسن معاملتهم، والجهاد في سبيل الله، ونشر الدين، وفتح البلاد، فكان لبني أمية داخل بلاد الأندلس الكثير من المؤيدين، والكثير من المحبين حتى من غير بني أمية من القبائل المختلفة.



ثالثًا: راسل كلَّ الأمويين في الأندلس يعرض عليهم فكرته، وأنه يعزم على دخول الأندلس ويطلب معونتهم ومددهم[3].



كانت الخطوة المؤثِّرة التي نجح فيها بدر[4] –مولى عبد الرحمن الداخل- هو وصوله إلى موالي بني أمية في الأندلس، وشيخهم أبو عثمان، ومن خلالهم حاول التحالف مع القيسية، إلاَّ أن الصميل بن حاتم -وقد كان زعيم القيسية الذين كانوا عماد الفهري- عَبَّر بوضوح عن مخاوفه من وجود أمير أموي في البلاد، فوَضْع القيسية حينئذٍ لن يكون كما هو في ظلِّ الفهري الذي يستطيعون أن يأخذوا منه ويَرُدُّوا عليه[5]. فذهبوا إلى اليمنية فرضوا وتمَّ لهم الأمر.



وإذًا، فقد نجح بدر في مهمته، فأرسل رسولاً إلى عبد الرحمن يقول له: إن الوضع أصبح جاهزًا لاستقبالك هناك. وحينما سأله عن اسمه، قال: تمام. قال: وما كنيتك؟ قال: أبو غالب. فقال: الله أكبر! الآن تمَّ أمرنا، وغَلَبْنَا بحول الله تعالى وقوته[6]. وبدأ يُعِدُّ العُدَّةَ، ويجهِّز السفينة التي أخذته منفردًا إلى بلاد الأندلس.


عبد الرحمن الداخل في الأندلس

نزل عبد الرحمن الداخل –رحمه الله- على ساحل الأندلس بمفرده، واستقبله هناك مولاه بدر، وكان يحكم الأندلس في ذلك الوقت يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكالعادة كان في الشمال يقمع ثورةً من الثورات[7].



وبمجرَّد أن دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس بدأ يُجَمِّع الناس من حوله؛ محبِّي الدولة الأموية، والأمازيغ (البربر)، وبعض القبائل المعارضة ليوسف بن عبد الرحمن الفهري، كما كان قد وصلت إلى الأندلس فلول من الأمويين الهاربين، إلى جانب التحالف المأخوذ مع اليمنية.



كان على رأس اليمنيين في ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبي، وكان المقرُّ الرئيس لهم في إِشْبِيلِيَة، وهي المدينة الكبيرة التي كانت تُعَدُّ حاضرة من حواضر الإسلام في ذلك الوقت، فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى إِشْبِيلِيَة، واجتمع طويلاً مع أبي الصباح اليحصبي، فبايعه أبو الصباح[8].



وقبل القتال أرسل عبد الرحمن بن معاوية عدَّة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب وُدَّه، وأن يُسَلِّم له الإمارة، ويكون الفهري رجلاً من رجاله في بلاد الأندلس، بحُكْمِ أنه حفيد هشام بن عبد الملك[9]، لكن يوسف الفهري رفض ذلك، وجهَّز جيشًا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومَنْ معه.


موقعة المصارة

من المؤسف حقًّا أن يلتقي المسلمون بسيوفهم، لكن كثرة الثورات وكثرة الفتن والانقلابات جعلت الحلَّ العسكري هو الحلَّ الحتمي في ذلك الوقت؛ ففي (ذي الحجة 138هـ=مايو 756م) وفي موقعة كبيرة عُرِفت في التاريخ باسم موقعة المصارة، دار قتال شرس بين يوسف بن عبد الرحمن الفهري من جهة ومعه القيسية، وعبد الرحمن بن معاوية الذي يعتمد في الأساس على اليمنيين من جهة أخرى[10].

وقبل القتال كان أبو الصباح اليحصبي (رئيس اليمنيين) قد سمع بعض المقولات من اليمنيين تقول: إن عبد الرحمن بن معاوية غريب عن البلاد، ثم إن معه فرسًا عظيمًا أشهب، فإن حدثت هزيمة فسيهرب من ساحة القتال، ويتركنا وحدنا للفهريين.



وقد وصلت عبدَ الرحمن بن معاوية تلك المقولة، فقام وفي ذكاءٍ شديد يفوق سنَّ الخامسة والعشرين، وذهب بنفس
angel
angel
المدير العام
المدير العام
عدد المساهمات : 8871
نقاط : 14094
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
الموقع : عمان
المزاج : إذا ضبطت نفسك متلبساً بالغيرة "على " إنسان ما فتفقد أحاسيسك جيداً فقد تكون في حالة " حب " وأنت "لا تعلم"..

التاريخ الأندلسي7 Empty رد: التاريخ الأندلسي7

الإثنين ديسمبر 19, 2011 10:34 pm
التاريخ الأندلسي7
ابو ادم
ابو ادم
مشرف عام
التاريخ الأندلسي7 4311_1217418931 عدد المساهمات : 5188
نقاط : 7790
التقيم : 6
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 44
الموقع : google
المزاج : مصدهج

التاريخ الأندلسي7 Empty رد: التاريخ الأندلسي7

الأربعاء ديسمبر 21, 2011 3:37 am
التاريخ الأندلسي7
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى